للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فُعِلَتْ اتَّصفَ فاعِلُها بالفِطْرةِ التي فطرَ اللَّهُ العبادَ عليها، وحثَّهم عليها واستَحَبَّها لهم ليكونُوا على أكْمَلِ الصفاتِ وأَشرَفِها صورةً. وقد ردَّ البيضاويُّ (١) الفِطْرةَ في حديثِ البابِ إلى مجموعِ ما وردَ في معناهُ ممَّا تقدَّمَ فقالَ: "هي السنةُ القديمةُ التي اختارَهَا الأنبياءُ واتفقتْ عليها الشرائعُ فكأنَّها أَمْرٌ جِبِلِّيٌّ ينطَوُوْنَ عليها"، وسوَّغَ الابتداءَ بالنكرةِ في قولهِ: خمسٌ أَنه صفةُ موصوفٍ محذوفٍ والتقديرُ: خصالٌ خمسٌ، ثم فسَّرَها، أوْ على الإِضَافَةِ: أَي خمسُ خصلٍ، ويجوزُ أنْ يكونَ خبرَ مبتدأٍ محذوفٍ والتقديرُ: الذي شُرعَ لكم خمسٌ.

قوله: (الاستحدادُ) هو حَلْقُ العانةِ سُمِّيَ استحدادًا لاستعمالِ الحديدةِ وهي الموسَى وهو سنةٌ بالاتفاقِ، ويكونُ بالحلْقِ والقصِّ والنَّتْفِ والنُّورَةِ. قالَ النووي (٢): والأفضلُ الحلقُ، والمرادُ بالعانَةِ الشعرُ فوقَ ذَكَرِ الرجُلِ وحَوَالَيْهِ، وكذلكَ الشعرُ الذي حَوْلَ فرَجِ المرأَةِ. ونُقِلَ عن أبي العباسِ (٣) بن سُريجٍ أَنهُ الشعرُ النابتُ حولَ حَلَقةِ الدُّبُرِ. قال النووي (٤): "فيحصُلُ من مجموعِ هذا استحبابُ حلقِ جميعِ ما على القُبُلِ والدُّبُرِ وحَوْلَهُمَا" انتهى.

وأقولُ: الاستحدادُ إنْ كانَ في اللغةِ حلق العانةِ كما ذكره النووي فلا دليلَ على سُنيةِ حلقِ الشعْرِ النابتِ حولَ الدبُرِ، وإن كانَ الاحْتِلاقُ بالحديدِ كما في القاموس (٥) فلا شكَ أنه أعمُّ من حلقِ العانةِ، ولكنه وقعَ في مسلمٍ (٦) وغيرِه بدلَ الاستحدادِ في حديثِ: "عشرٌ مِنَ الفطرةِ: حلقُ العانةِ" فيكونُ مبينًا لإطلاقِ الاستحدادِ في حديثِ: "خمسٌ مِنَ الفِطْرَةِ" فلا يتمُّ دعوى سنيةِ حلقِ شعرِ الدبُرِ أَو استحبابِه إلا بدليلٍ، ولم نَقِفْ على حلقِ شعرِ الدبُرِ مِنْ فعلِهِ ولا مِنْ فِعلِ أحدٍ مِنْ أصحابِه.


(١) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (١٠/ ٣٣٩).
(٢) في شرحه لصحيح مسلم (٣/ ١٤٨).
(٣) ذكره النووي في شرح مسلم (٣/ ١٤٨).
(٤) في شرحه لصحيح مسلم (٣/ ١٤٨).
(٥) القاموس المحيط ص ٣٥٢.
(٦) (١/ ٢٢٣ رقم ٥٦/ ٢٦١) وسيأتي تخريجه رقم (١٣/ ١٣٠) من كتابنا هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>