للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من طريق المفهوم (١) على ما يجوز، إنما عدلَ عن الجواب لأنه أخصر. وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس لأنه الحكم العارض في الإِحرام المحتاج إلى بيانه، إذ الجواز ثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب وكان اللائق السؤال عما لا يلبس.

وقال غيره: هذا يُشْبِهُ الأسلوب الحكيم (٢)، ويقرب منه قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ﴾ (٣) إلخ، فعدل عن جنس المنفق وهو المسؤول عنه إلى جنس المنفق عليه لأنه الأهم.

قال ابن دقيق العيد (٤): يستفاد منه أن المعتبر في الجواب ما يحصل به المقصود كيف كان ولو بتغيير أو زيادة، ولا يشترط المطابقة (٥). انتهى.

وهذا كله مبني على الرواية التي فيها السؤال عن اللبس، وأما على رواية الدارقطني (٦) المذكورة فليس من الأسلوب الحكيم.


(١) المفهوم هو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، أي يكون حكمًا لغير المذكور وحالًا من أحواله.
[إرشاد الفحول ص ٥٨٧ بتحقيقي، وتيسير التحرير (١/ ٩١)].
(٢) وهو عند علماء البلاغة صَرْف كلام المتكلم أو سؤال السائل عن المراد منه، وحمله على ما هو الأولى بالقصد، أو إجابته على ما هو الأولى بالقصد، وهو قسمان:
١ - حمل كلام المتكلم على غير ما يريد به، تنبيهًا على أنَّهُ الأولى بالقصد. مثاله: قال تعالى: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ١٩].
• أي إن تدعو الله بأن ينصركم على الرسول والذين آمنوا معه، فقد جاءكم النصر ولكن على غير ما تطلبون، لقد جاءكم نصر الله لرسوله والذين آمنوا معه عليكم.
• فجاء قبول ظاهر دُعائهم بالنصر ولكن بعد حمله على غير ما طلبوا فيه، لقد طلبوا مجيء النصر فجاءهم النصر للمؤمنين عليهم.
٢ - إجابة السائل بغير ما يطلب من سؤال لتنبيهه على أنَّه الأمر الأهم الذي كان ينبغي أن يسأل عنه.
مثاله: قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ … ﴾ [البقرة: ٢١٥].
[البلاغة العربية (١/ ٥٠١ - ٥٠٣)، وجواهر البلاغة ص ٣١٢، والإتقان للسيوطي (١/ ٦٢٦).
(٣) سورة البقرة: الآية (٢١٥).
(٤) في إحكام الأحكام (٣/ ١٠).
(٥) انظر: تفصيل ذلك في "الإتقان" (١/ ٦٢٦ - ٦٣٠).
(٦) في سننه (٢/ ٢٣٠ رقم ٦٣) سنده صحيح والحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>