للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأحاديث الباب تدل على أنه لا يجوز للحاضر أن يبيع للبادي من غير فرق بين أن يكون البادي قريبًا له أو أجنبيًا، وسواء كان في زمن الغلاء أو لا، وسواء كان يحتاج إليه أهل البلد أم لا، وسواء باعه له على التدريج أم دفعة واحدة.

وقالت الحنفية (١): إنه يختص المنع من ذلك بزمن الغلاء وبما يحتاج إليه أهل المصر.

وقالت الشافعية (٢) والحنابلة (٣): إن الممنوع إنما هو أن يجيء البلد بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت في الحال، فيأتيه الحاضر فيقول له: ضعه عندي لأبيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر.

قال في الفتح (٤): فجعلوا الحكم منوطًا بالبادي ومن شاركه في معناه، قالوا: وإنما ذكر البادي في الحديث لكونه الغالب، فألحق به من شاركه في عدم معرفة السعر من الحاضرين، وجعلت المالكية البداوة قيدًا.

وعن مالك (٥): لا يلتحق بالبدويَ في ذلك إلا من كان يشبهه. فأما أهل القرى الذين يعرفون أثمان السلع والأسواق فليسوا داخلين في ذلك.

وحكى ابن المنذر (٦) عن الجمهور أن النهي للتحريم إذا كان البائع عالمًا والمبتاع مما تعمّ الحاجة إليه ولم يعرضه البدوي على الحضري. ولا يخفى أن تخصيص العموم بمثل هذه الأمور من التخصيص بمجرّد الاستنباط (٧).


(١) بدائع الصنائع (٥/ ٢٣٢).
(٢) الحاوي الكبير (٥/ ٣٤٦ - ٣٤٨) وحلية العلماء (٤/ ٣٠٩ - ٣١١). ومعرفة السنن والآثار (٨/ ١٦٣ - ١٦٥).
(٣) المغني (٦/ ٣٠٨ - ٣١٠).
(٤) في "الفتح" (٤/ ٣٧١).
(٥) الكافي (٢/ ٧٣٨، ٧٣٩)، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (٤/ ١١١ - ١١٣).
(٦) حكاه عنه الحافظ في "الفتح" (٤/ ٣٧١).
(٧) قال الشوكاني في "إرشاد الفحول" ص ٥٢٨ بتحقيقي: "والحقُّ الحقيقُ بالقَبول أنه يُخصَّص بالقياس الجليِّ لأنه معمولٌ به لقوة دَلالته وبُلوغها إلى حد يوازِن النُّصوصَ وكذلك يُخَصّص بما كانت عِلّتُه منصوصةً أو مُجْمعًا عليها، وأما العلةُ المنصوصة فالقياسُ الكائنُ بها في قوة النصِّ. وأما العلةُ المجمعُ عليها فلكون ذلك الإجماع قد دل على دليل مُجْمع عليه، وما عداه هذه الثلاثةِ الأنواع من القياس فلم تقُم الحجةُ بالعمل به من أصله" اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>