وهو حديث صحيح. (١) قد أكثر العلماء من الكلام على تفسير المشتبهات، ونحن ننبهكم على أمثل طريقة، فاعلم أن الاشتباه هو الالتباس، وإنما يطلق في مقتضى هذه التسمية ها هنا على أمر ما أشبهَ أصلًا ما، ولكنه مع هذا يشبه أصلًا آخر يناقض الأصل الآخر، فكأنه كثرت أشباهه. وقيل: اشتبه بمعنى اختلط، حتى كأنه شيء واحد من شيئين مختلفين. وإذا أحطت بهذا علمًا، فيجب أن تطلب هذه الحقيقة، فنقول: قد تكون أصول الشرع المختلفة تتجاذب فرعًا واحدًا تجاذبًا متساويًا في حق العلماء، ولا يمكنه تصور ترجيح، ورده لبعض الأصول يوجب تحريمه، ورده لبعضها يوجب تحليله، فلا شك أن الأحوط تجنب هذا، ومن تجنبه وصف بالورع والتحفظ في الدين، وما أخذه من المسلمين بعيب فاعل هذا، بل المعلوم انتظار الألسنة بالثناء عليه والشهادة له بالورع إذا عرف بذلك. وقد سئل مالك عن خنزير الماء فوقف فيه لما تعارضت الآي عنده، فنظر إلى عموم قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ [المائدة: ٣]، فخاف أن يدخل في عموم فيحرم، ونظر إلى عموم قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾ [المائدة: ٩٦]. وأمكن عنده أن يدخل في عموم هذه الآية فيحل. لم تظهر له طرق الترجيح الواضحة في أن يقدم آية على آية، ووقف فيه، ومن هذا المعنى أن يعلم أصل الحكم ولكنه يلتبس وجود شرط الإباحة حتى يتردد بينه وبين شرط التحريم، وذلك أن الإنسان يحل له أن يأكل ملكه أما في معناه مما أبيح له تملكه، ويحرم عليه أكل ملك غيره وما في معناه. وقد وجد النبي ﷺ تمرة ساقطة فترك أكلها، واعتل بأنه لولا أنه يخاف أن تكون صدقة =