للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا التقسيم قد وافق قول من قال ممن سيأتي أن المباح والمكروه من المشتبهات. ولكنه يشكل عليه المندوب، فإنه لا يدخل في قسم الحلال البين على ما زعمه صاحب هذا التقسيم، والمراد بكون كل واحد من القسمين الأولين بيِّنًا أنه مما لا يحتاج إلى بيان أو مما يشترك في معرفته كل أحد. وقد يردان جميعًا أي ما يدل على الحل والحرمة، فإن علم المتأخر منهما فذاك، وإلا كان ما وردا فيه من القسم الثالث.

قوله: (أمور مشتبهة)، أي شبهت بغيرها مما لم يتبين حكمه على التعيين.

زاد في رواية للبخاري (١): "لا يعلمها كثير من الناس"، أي: لا يعلم حكمها.

وجاء واضحًا في رواية للترمذي (٢) ولفظه: "لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام؟ "، ومفهوم قوله: "كثير" أن معرفة حكمها ممكن لكن للقليل من الناس وهم المجتهدون، فالشبهات على هذا في حق غيرهم، وقد تقع لهم حيث لا يظهر لهم ترجيح أحد الدليلين.

قوله: (والمعاصي حمى الله)، في رواية للبخاري (٣) وغيره (٤): "ألا إن حمى الله في أرضه محارمه"، والمراد بالمحارم والمعاصي: فعل المنهيِّ المحرم،


= لأكلها، فلما كانت الصدقة محرمةً عليه وشك، هل حصل هذا التحريم في هذه التمرة تركها، ولحقت بالمشتبهات، وهذا إذا كان الاشتباه من جهة أصول الشرع بعد نظر صحيح فيها، أو في القسم الأخير الذي ذكرناه مع فقد أصول ترد إليها وعدم أمارات وظنون يعوَّل عليها.
وأما إذا كان الأمر خلاف ذلك، فليس من الورع التوقف بل ربما خرج بعضه إلى ما يكره، وبيان ذلك بالمثال: أن من أتى إلى ماء لم يجد سواه ليتوضأ منه فقال في نفسه: لعل نجاسة سقطت من قبل أن أرد عليه وامتنع من الطهارة به، فإن ذلك ليس بممدوح، وخارج عما وقع في الحديث، لأن الأصل طهارة الماء وعدم الطوارئ واستصحاب هذا كالعلم الذي يظن أنه لم يسقط منه شيء، مع أن هذه الفكرة إذا أمر معها تكررت ولم يقف عند حد وأدى ذلك إلى انقطاع عن العبادات.
وانظر مزيد تفصيل في ذلك: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (٥/ ٢٨٥ - ٢٨٦).
(١) في صحيحه رقم (٥٢) وقد تقدم.
(٢) في سننه رقم (١٢٠٥) وقد تقدم.
(٣) في صحيحه رقم (٥٢) وقد تقدم.
(٤) كمسلم في صحيحه رقم (١٠٧/ ١٥٩٩) وقد تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>