للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مثابٌ عليها، فَهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه مذمومةً أو قبيحةً أو غيرَ مقبولةٍ.

قوله: (دُنيا يصِيبها) بضم الدال وحكى ابن قتيبة كسرهَا وهي فُعلَى من الدنُوِّ أي القُربِ سُميت بذلكَ لِسبقِها للأخرى. وقيلَ: لدنُوها إلى الزوالِ، واختُلِفَ في حقيقتِها فقيلَ: ما على الأرض من الهواء والجوِّ. وقيلَ: كلُّ المخلوقاتِ من الجواهِرِ والأعراضِ. وإطلاقُ الدُّنيا على بعضِها كما في الحديث مجاز.

قوله: (أو امرأةٍ يتزوجُها) إنما خصَّ المرأةَ بالذِّكْرِ بعد ذِكْرِ ما يعمُّها وغيرَها للاهتمام [بها] (١)، وتعقَّبَهُ النوويُّ (٢) بأن لفظ دُنيا نكرة وهي لا تعم في الإِثبات فلا يلزمُ دخولُ المرأةِ فيها وتُعُقِّبَ بأنها نكرةٌ في سياقِ الشرطِ فَتَعُمُّ. ونكتةُ الاهتمام الزيادةُ في التحذير لأن الافتتان بها أشدُ. وحكى ابنُ بطالٍ (٢) عن ابن سِرَاجٍ (٢) أن السببَ في تخصيصِ المرأةِ بالذكرِ أن العربَ كانوا لا يزوجونَ الموالى العربيةَ ويراعُونَ الكفاءةَ في النسبِ فلما جاءَ الإِسلامُ سوَّى بين المسلمينَ في مُناكَحَتِهم فهاجرَ كثيرٌ من الناسِ إلى المدينةِ ليتزوَّجَ بها من كانَ لا يصِلُ إليها. وتعقَّبهُ ابن حجرٍ (٣) بأنه يفتقر إلى نَقْلِ أن هذا المهاجرَ كان مولى وكانت المرأةُ عربيةً. ومنعَ أن تكونَ عادةُ العربِ ذلكَ ومنعَ أيضًا أن الإِسلامَ أبطلَ الكفاءةَ، ولو قيلَ: إن تخصيصَ المرأةِ بالذكْرِ لأنَّ السبَبَ في الحديثِ مهاجِرُ أم قيسٍ فذُكِرَتِ المرأةُ بعدَ ذكرِ ما يشملُها لما كانت هجرةُ ذلكَ المهاجرِ لأجلِها، لم يكن بعيدًا من الصوابِ وهذه نُكتةُ سِرِّيَّةٌ.

والحديثُ يدلُّ على اشتراطِ النية في أعمالِ الطاعاتِ وأن ما وقعَ من الأعمالِ بدونها غيرُ معتدٍّ به وقد سبقَ ذكرُ الخلافِ في ذلكَ، وفي الحديث فوائدُ مبسوطةٌ في المطولاتِ لا يتسع لها المقامُ وهو على انفرادِهِ حقيقٌ بأن يُفردَ له مصنفٌ مُستقلٌ (٤).


(١) في "المخطوط" به والصواب ما أثبتناه.
(٢) ذكره الحافظ في "الفتح" (١/ ١٧).
(٣) في "فتح الباري" (١/ ١٧).
(٤) مثل: "النية وأثرها في الأحكام الشرعية" تأليف: الدكتور صالح بن غانم السدلان (١ - ٢).
و"مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين" أو "النيات في العبادات" "إنما الأعمال بالنيات" تأليف: الدكتور عمر سليمان الأشقر.

<<  <  ج: ص:  >  >>