وقال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال بالمعروف الذي عناه الله ﵎ في قوله: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أكل مال اليتيم عند الضرورة والحاجة إليه على وجه الاستقراض منه، فأما على غير ذلك الوجه، فغير جائز له أكله، وذلك أن الجميع مجمعون على أن والي اليتيم لا يملك من مال يتيمه إلا القيام بمصلحته؛ فلما كان إجماعًا منهم أنه غير مالكه، وكان غير جائز لأحد أن يستهلك مال أحد غيره، يتيمًا كان رب المال أو مدركًا رشيدًا، وكان عليه إن تعدى فاستهلكه بأكل أو غيره ضمانه لمن استهلكه عليه بإجماع من الجميع، وكان والي اليتيم سبيله سبيل غيره في أنه لا يملك مال يتيمه ما كان كذلك حكمه، فيما يلزمه من قضائه إذا أكل منه سبيله، سبيل غيره وإن فارقه في أن له الاستقراض منه عند الحاجة إليه، كما له الاستقراض عليه عند حاجته إلى ما يستقرض عليه إذا كان قيمًا بما فيه مصلحته، ولا معنى لقول من قال: إنما عنى بالمعروف في هذا الموضع أكل والي اليتيم من مال اليتيم، لقيامه على وجه الاعتياض على عمله وسعيه، لأن الوالي اليتيم أن يؤاجر نفسه منه، للقيام بأموره، إذا كان اليتيم محتاجًا إلى ذلك بأجرة معلومة، كما يستأجر له غيره من الأجراء، وكما يشتري له من نصيبه غنيًا كان الوالي أو فقيرًا، وإذا كان ذلك كذلك، وكان الله تعالى ذكره قد دلّ بقوله: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ على أن أكل مال اليتيم إنما أذن لمن أذن له من ولاته في حال الفقر والحاجة، وكانت الحال التي للولاة أن يؤجروا أنفسهم من الأيتام مع حاجة الأيتام إلى الأجراء، غير مخصوص بها حال غنى، ولا حال فقر، كان معلومًا أن المعنى الذي أبيح لهم من أموال أيتامهم في كل أحوالهم، غير المعنى الذي أبيح لهم ذلك فيه في حال دون حال. ومن أبى ما قلنا، ممن زعم أن لوليّ اليتيم أكل مال يتيمه عند حاجته إليه، على غير وجه القرض استدلالًا بهذه الآية؟ قيل له: أمجمع على أن الذي قلت تأويل قوله: ﴿وَمَنْ كَانَ =