للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال الشافعي (١): يأخذ أقل الأمرين من أجرته ونفقته، ولا يجب الرد على الصحيح عنده.

والظاهر من الآية والحديث جواز الأكل مع الفقر بقدر الحاجة من غير إسراف ولا تبذير ولا تأثل، والإذن بالأكل يدل على إطلاقه على عدم وجوب الرد عند التمكن، ومن ادعى الوجوب فعليه بالدليل.

قوله: (غير مسرف ولا مبادر)، هذا مثل قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا﴾ (٢)، أي: مسرفين ومبادرين كِبَرَ الأيتام، أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم يفرطون في إنفاقها ويقولون: ننفق ما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا. ولفظ أبي داود (٣): "غير مسرف ولا مبذر".

قوله: (ولا متأثل)، قال في القاموس (٤): أثل ماله تأثيلًا: زكاه، وأصله وملكه: عظمه، والأهل كساهم أفضل كسوة وأحسن إليهم، والرجل كثر ماله، انتهى.

والمراد هنا أنه لا يدخر من مال اليتيم لنفسه ما يزيد على قدر ما يأكله.


= فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾، فإن قال: لا، قيل له: فما برهانك على أن ذلك تأويله، وقد علمت أنه غير مالك مال يتيمه؟ فإن قال: لأن الله أذن له بأكله. قيل له: أذن له بأكله مطلقًا، أم بشرط؟ فإن قال بشرط، وهو أن يأكله بالمعروف، قيل له: وما ذلك المعروف وقد علمت القائلين من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين، إن ذلك هو أكله قرضًا وسلفًا، ويقال لهم أيضًا مع ذلك: أرأيت المولى عليهم في أموالهم من المجانين والمعاتيه الولاة أموالهم أن يأكلوا من أموالهم عند حاجتهم إليه على غير وجه القرض لا الاعتياض من قيامهم بها، كما قلتم ذلك في أموال اليتامى فأبحتموها لهم، فإن قالوا: ذلك لهم، خرجوا من قول جميع الحجة، وإن قالوا: ليس ذلك لهم، قيل لهم: فما الفرق بين أموالهم وأموال اليتامى، وحكم ولأهم واحد، في أنهم ولاة أموال غيرهم، فلن يقولوا في أحدهم شيئًا إلا ألزموا في الآخر مثله، ويسئلون كذلك عن المحجور عليه، هل لمن تلي ماله أن يأكل ماله عند حاجته إليه نحو سؤالنا لهم عن أموال المجانين والمعاتيه" اهـ.
(١) في "أحكام القرآن" (١/ ١٩٥).
(٢) سورة النساء، الآية: ٦.
(٣) في سننه رقم (٢٨٧٢) وقد تقدم.
(٤) القاموس المحيط ص ١٢٤٠.
وانظر: "النهاية" (١/ ٣٨) وغريب الحديث للهروي (١/ ١٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>