للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكذلك حديثه أيضًا عند أبي داود (١) بإسناد فيه بكر بن عامر البجلي الكوفي وهو مُتَكَلَّم فيه "قال: إنه زرع أرضًا فمرَّ به النبيّ يسقيها، فسأله: لمن الزرع ولمن الأرض؟ فقال: زرعي ببذري وعملي ولي الشطر ولبني فلان الشطر، فقال: أرْبَيْتُما فَرُدَّ الأرض على أهلها وخذ نفقتك".

ومثله حديث زيد بن ثابت عند أبي داود (٢) قال: "نهى رسول الله عن المخابرة، قلت: وما المخابرة؟ قال: أن يأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع" فيها دليل على المنع من المخابرة بجزء معلوم.

ومثل هذه الأحاديث حديث أسيد الآتي (٣) على فرض أنه نهى عن المزارعة بجزء معلوم وعدم تقييده بما فيه من كلام أسيد كما سيأتي، ولكنه لا سبيل إلى جعلها ناسخة لما فعله في خيبر لموته وهو مستمر على ذلك وتقريره لجماعة من الصحابة عليه، ولا سبيل إلى جعل هذه الأحاديث المشتملة على النهي منسوخة بفعله وتقريره لصدور النهي عنه في أثناء مدة معاملته، ورجوع جماعة من الصحابة إلى رواية من روى النهي، والجمع ما أمكن هو الواجب.

وقد أمكن هنا بحمل النهي على معناه المجازي وهو الكراهة، ولا يشكل على هذا قوله : "أربيتما" في حديث رافع المذكور، وذلك بأن يقال: قد وصف النبي هذه المعاملة بأنها ربا، والربا حرام بالإجماع فلا يمكن الجمع بالكراهة، لأنا نقول: الحديث لا ينتهض للاحتجاج به للمقال الذي فيه، ولا سيما مع معارضته للأحاديث الصحيحة الثابتة من طرق متعددة الواردة بجواز المعاملة بجزء معلوم، وكيف يصحّ أن يكون ذلك ربا وقد مات رسول الله عليه ومات عليه جماعة من أجلاء الصحابة، بل يبعد أن يعامل النبي المعاملة المكروهة ويموت عليها، ولكنه ألجأنا إلى القول بذلك الجمع بين الأحاديث؛ وهذا ما نرجحه في هذه المسألة.

ولا يصح الاعتذار عن الأحاديث القاضية بالجواز بأنها مختصة به لما


(١) في سننه برقم (٣٤٠٢) بسند ضعيف.
(٢) في سننه رقم (٣٤٠٧) وهو حديث صحيح.
(٣) برقم (٢٣٥٩) من كتابنا هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>