للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال أحمد (١): هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح.

ولا يخفى أن وروده بهذه الطرق المتعددة مع تصحيح إمامين من الأئمة المعتبرين لبعضها وتحسين إمام ثالث منهم مما يصير به الحديث منتهضًا للاحتجاج (٢).

قوله: (ولا تخن من خانك)، فيه دليل على أنه لا يجوز مكافأة الخائن بمثل فعله، فيكون مخصِّصًا لعموم قوله تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ (٣)، وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ (٤)، وقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ (٥).

والحاصل أن الأدلَّة القاضية بتحريم مال الآدمي ودمه وعرضه عمومها مخصص بهذه الثلاث الآيات.

وحديث الباب مخصص لهذه الآيات، فيحرم من مال الآدمي وعرضه ودمه ما لم يكن على طريق المجازاة، فإنها حلال إلا الخيانة فإنها لا تحل.

ولكن الخيانة إنما تكون في الأمانة كما يشعر بذلك كلام القاموس (٦) فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث، على أنه لا يجوز لمن تعذَّر عليه استيفاء حقه حبس حق خصمه على العموم كما فعله صاحب البحر (٧) وغيره، إنما يصح الاستدلال به على أنه لا يجوز للإنسان إذا تعذر عليه استيفاء حقه أن يحبس عنده وديعة لخصمه أو عارية، مع أن الخيانة إنما تكون على جهة الخديعة والخفية، وليس محل النزاع من ذلك.

ومما يؤيد الجواز إذنه لامرأة أبي سفيان أن تأخذ لها ولولدها من مال زوجها ما يكفيها كما في الحديث الصحيح (٨).


(١) حكاه عنه الحافظ في "التلخيص" (٣/ ٢١٠).
(٢) وهو كما قال، فهو حديث حسن وله شواهد وطرق ترقيه إلى درجة الصحة، لاختلاف مخارجها ولخلوِّها من متهم. "الصحيحة" (١/ ٧٨٤).
(٣) سورة الشورى، الآية: ٤٠.
(٤) سورة النحل، الآية: ١٢٦.
(٥) سورة البقرة، الآية: ١٩٤.
(٦) القاموس المحيط (ص ١٥٤١).
(٧) البحر الزخار (٤/ ١٦٩)، (٣/ ٣٩٦).
(٨) يشير المؤلف إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (٥٣٦٤) ومسلم رقم (١٧١٤) =

<<  <  ج: ص:  >  >>