للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثبت بأمر رسول الله ، والأمرُ منه أمر من الله [تعالى] (١) بدليل: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ (٢) ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ (٣) وتمكن مناقشة هذا بأنه إنما يتم لو أَحاله فقط كما وقع لابن دقيق العيد وغيره، وأما بالنظر إلى تمام الحديث وهو "فاغسل وجهك ويديك وامسح رأسك واغسل رجليك" فيصير نصًا على أن المراد كما أمرك الله في خصوص آية الوضوء لا في عموم القرآن، فلا يكون أمره بالمضمضة داخلًا تحت قوله للأعرابي: "كما أمرك الله" (٤) فيقتصر في الجواب على أنه قد صح أمر رسول الله بها، والواجب الأخذ بما صح عنه، ولا يكون الاقتصار على البعض في مبادئ [التعليم] (٥) ونحوها موجبًا لصرف ما ورد بعده وإخراجه عن الوجوب، وإلا لزم قصر واجبات الشريعة بأسرها على الخمس المذكورة في حديث ضمام بن ثعلبة مثلًا لاقتصاره على ذلك المقدار في تعليمه. وهذا خرق للإِجماع وإطراح لأكثر الأحكام الشرعية، وعلى ما سلف من أن الأمر بغسل الوجه أمر بها، وهذا وإن كان مستبعدًا في بادئ الرأي باعتبار أن الوجه في لغة العرب معلوم المقدار لكنه يشد من عضد دعوى الدخول في الوجه، أنه لا موجب لتخصيصه بظاهره دون باطنه، فإن الجميع في لغة العرب يُسمى وجهًا فإن قلت: قد أطلق على خرق الفم والأنف اسم خاص فليسا في لغة العرب وجهًا. قلت: وكذلك أَطلق على الخدين والجبهة وظاهر الأنف والحاجبين وسائر أجزاء الوجه أسماء خاصة فلا تسمى وجهًا، وهذا في غاية السقوط لاستلزامه عدم وجوب غسل الوجه.

فإن قلت: يلزم على هذا وجوب غسل باطن العين. قلت: ملتزم لولا اقتصار الشارع في البيان على غسل ما عداه، وقد بين لنا رسول الله ما نزل إلينا فداوم على المضمضة والاستنشاق، ولم يحفظ أنه أخل بهما مرة واحدةٍ، كما ذكره ابن القيم في الهدي (٦)، ولم ينقل عنه أنه غسل باطن العين مرة واحدة على أنه قد ذهب إلى وجوب غسل باطن العين ابن عمر، والمؤيد بالله من أهل البيت،


(١) زيادة من (جـ).
(٢) سورة الحشر: الآية ٧.
(٣) سورة آل عمران: الآية ٣١.
(٤) وهو جزء من حديث صحيح تقدم ص ٤٠.
(٥) في (جـ): (التعاليم).
(٦) أي "زاد المعاد في هدي خير العباد" (١/ ١٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>