للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأجاب القاضي عياض (١) بأنَّ الحديثَ ليس فيه إغراء الغائب، بل الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم أوّلًا بقوله: "من استطاع منكم"، قد استحسنه القرطبي (٢) والحافظ (٣)؛ والإرشاد إلى الصوم لما فيه من الجوع والامتناع عن مثيرات الشهوة ومستدعيات طغيانها.

قوله: (وجاء) بكسر الواء والمدّ وأصله الغمز، ومنه وجأه في عنقه: إذا غمزه، ووجأه بالسيف: إذا طعنه به، ووجأ أنثييه: غمزهما حتى رضَّهما.

وتسمية الصيام وجاء: استعارة، والعلاقة المشابهة لأن الصوم لما كان مؤثرًا في ضعف شهوة النِّكاح شبّه بالوجاء.

وقد استدل بهذا الحديث على أن من لم يستطع الجماع فالمطلوب منه ترك التزويج، لإرشاده من كان كذلك إلى ما ينافيه ويضعف داعيه.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه مكروه في حقه.

قوله: (ردّ رسول الله على عثمان بن مظعون التبتل) (٤)، هو في الأصل الانقطاع، والمراد به هنا الانقطاع عن النِّكاح وما يتبعه من الملاذّ إلى العبادة، والمراد بقوله تعالى: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ (٥)؛ انقَطِعْ إليه انقطاعًا، وفسَّره مجاهدٌ بالإخلاص، وهو لازم للانقطاع.

قوله: (ولو أذن له لاختصينا) الخصي: هو شَقُّ الأنثيين وانتزاع البيضتين.

قال الطيبي (٦): كان الظاهر أن يقول: ولو أذن له لتبتلنا، لكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله: "لاختصينا" لإرادة المبالغة، أي: لبالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الأمرُ إلى الاختصاء، ولم يرد به حقيقة الاختصاء؛ لأنه حرام.


(١) في إكمال المعلم بفوائد مسلم (٤/ ٥٢٤ - ٥٢٥).
(٢) في "المفهم" (٤/ ٨٣).
(٣) في "الفتح" (٩/ ١٠٩).
(٤) النهاية في غريب الحديث (١/ ١٠١) والفائق في غريب الحديث (٢/ ١٢٢).
(٥) سورة المزمل، الآية: (٨).
أخرج الطبري في "جامع البيان" (١٤/ ج ٢٩/ ١٣٣) عن مجاهد في قوله: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾، قال: أخلص إليه المسألة والدعاء. إسناده صحيح.
(٦) في شرحه على مشكاة المصابيح (٦/ ٢٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>