للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (لكني أصوم وأفطر … إلخ)، فيه دليلٌ على أن المشروع هو الاقتصاد في الطاعات؛ لأن إتعاب النفس فيها، والتشديد عليها يُفضي إلى ترك الجميع، والدِّيْنُ يُسْر، ولن يشادَّ أحد الدين إلا غلبه (١)، والشريعة المطهرة مبنية على التيسير وعدم التنفير (٢).

قوله: (فمن رغب عن سنتي فليس مني)، المراد بالسنة: الطريقة (٣)، والرغبة: الإعراض.

وأراد أن التارك لهديه القويم المائل إلى الرهبانية خارج عن الاتباع إلى الابتداع.

وقد أسلفنا الكلام على مثل هذه العبارة في مواطن من هذا الشرح.

قوله: (فإنَّ خير هذه الأمة أكثرُها نساءً)، قيل: مرادُ ابن عباس بخير هذه الأمة النبي .


(١) يشير المؤلف إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٣٩): عن أبي هريرة، عن النبي قال: "إنَّ الدينَ يُسْرٌ، ولن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوَةِ والرَّوحة وشيء من الدُّلجة".
(٢) يشير المؤلف إلى الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه رقم (٦/ ١٧٣٢): عن أبي موسى، قال: كان رسول الله إذا بعثَ أحدًا من أصحابه في بعض أمره. قال: "بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا".
(٣) قال ابن منظور في لسان العرب مادة: سنن: "السُّنَّة: السيرة حسنة كانت أو قبيحة؛ قال خالد بن عتبة الهذلي:
فلا تَجْزَعَنْ من سيرةٍ أنتَ سِرْتَها … فأوَّلُ راضٍ سُنَّةً من يسيرُها
وفي التنزيل العزيز: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الكهف: ٥٥]؛ قال الزجاج: سنة الأولين أنَّهم عاينوا العذاب فطلب المشركون أن قالوا: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأنفال: ٣٢]. وسَنَنْتُها سَنًا واسْتَنَنْتُها سِرْتُها، وسَنَنْتُ لكم سُنَةً فاتبعوها.
وفي الحديث: "من سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أجْرُهَا، وأجْر من عمل بها بعدَهْ من غَيْرِ أن ينقُصَ من أجورِهِمْ شيءٌ، ومن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سَيِّئةً كانت عليه وِزْرُها وَوِزْرُ من عملَ بها من بعدِهِ، من غير أن ينقُصَ من أوزارِهم شيءٌ"، [أخرجه مسلم في صحيحه رقم (٦٩/ ١٠١٧)].
وإذا أُطلِقَتْ في الشرع فإنما يراد بها ما أَمَر به النبي ونهى عنه ونَدَب إليه قولًا وفعلًا مما لم يَنْطق به الكتاب العزيز. ولهذا يقال في أدلة الشرع: الكتابُ والسنةُ - أي القرآن والحديث - " اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>