للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن القيم (١): وأما نكاحُ الزانية فقد صرَّح الله بتحريمه في سورة النور، وأخبر أن من نكحها فهو زانٍ أو مشرك، فهو إما أن يلتزمَ حُكمَه تعالى ويعتقد وجوبه عليه أو لا، فإن لم يعتقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زانٍ، ثم صرَّح بتحريمه فقال: ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ (٢)، وأما جعل الإشارة في قوله: ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ﴾ إلى الزنا فضعيف جدًّا، إذ يصير معنى الآية: الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة، والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك.

وهذا مما ينبغي أن يصان عنه القرآن.

ولا يعارض ذلك حديث عمرو بن الأحوص (٣) وحديث ابن عباس (٤) المذكوران فإنهما في الاستمرار على نكاح الزوجة الزانية، والآية وحديث أبي هريرة (٥) في ابتداء النكاح، فيجوز للرجل أن يستمرّ على نكاح من زنت وهي تحته، ويحرم عليه أن يتزوّج بالزانية.

وأما ما ذكره المقبلي في المنار (٦) من أنه لا يصحُّ [أن يراد بقوله] (٧): "لا تردّ يد لامس" الزنا، بل عدم نفورها عن الريبة، فقصر للفظ المحتمل على أحد المحتملات بغير دليل، فالأولى أن ينزل ترك استفصاله عن مراده بقوله: "لا تردّ يد لامس" منزلة العموم، ولا ريب أن العرب تكني بمثل هذه العبارة عن عدم العفة والزنا.

وأيضًا حديث عمرو بن الأحوص (٨) من أعظم الأدلة الدالة على جواز إمساك الزانية لقوله فيه: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ (٩)، فإن فعلن


(١) في "زاد المعاد" (٥/ ١٠٤).
(٢) سورة النور، الآية: (٣).
(٣) تقدم تخريجه في بداية شرح الحديث (٢٧٠٣) من كتابنا هذا.
(٤) تقدم تخريجه في بداية شرح الحديث (٢٧٠٣) من كتابنا هذا.
(٥) تقدم برقم (٢٧٠١) من كتابنا هذا.
(٦) انظر: "المنار" (١/ ٤٧٣ - ٤٧٤) وليس فيه هذه العبارة المذكورة.
(٧) في كل طبعات "نيل الأوطار" حُرِّفَ ما بين الخاصرتين إلى (أن يراد به لقوله) أو (أن يراد أبى بقوله). والصواب ما أثبتناه من المخطوط (أ) و (ب) فتنبه!!
(٨) تقدم تخريجه في بداية شرح الحديث (٢٧٠٣) من كتابنا هذا.
(٩) سورة الطلاق، الآية: (١).

<<  <  ج: ص:  >  >>