للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهو المنفرد برفعه، ولا يخفى أن الرفع زيادة يجب المصير إليها على ما ذهب إليه أئمة الأصول (١) وبعض أئمة الحديث، إذا كانت ثابتةً من طريقِ ثقةٍ، والهيثم ثقةٌ، كما قاله الدارقطني، مع كونه مؤيدًا بحديث جابر (٢) المذكور.

وأجابوا عن حديث: "فإنما الرضاعة من المجاعة" (٣) بأنَّ شرب الكبير يؤثر في دفع مجاعته قطعًا، كما يؤثر في دفع مجاعة الصغير أو قريبًا منه.

وأورد عليهم: أن الأمر إذا كان كما ذكرتم من استواء الكبير والصغير فما الفائدة في الحديث، وتخلصوا عن ذلك بأنَّ فائدته إبطال تعلق التحريم بالقطرة من اللبن والمصة التي لا تغني من جوع.

ولا يخفى ما في هذا من التعسُّف؛ ولا ريب أن سدّ الجوعة باللبن الكائن في ضرع المرضعة إنما يكون لمن لم يجد طعامًا ولا شرابًا غيره، وأما من كان يأكل ويشرب فهو لا يسدّ جوعته عند الحاجة بغير الطعام والشراب، وكون الرضاع مما يمكن أن تسدّ به جوعة الكبير أمر خارج عن محل النزاع، فإنه ليس النزاع فيمن يمكن أن تسدّ جوعته به، إنما النزاع فيمن لا تسدّ جوعته إلا به. وهكذا أجابوا عن الاحتجاج بحديث: "لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم" (٤) فقالوا: إنه يمكن أن يكون الرضاع كذلك في حقّ الكبير ما لم يبلغ أرذل العمر، ولا يخفى ما فيه من التعسف، والحقّ ما قدمناه من أن قضية سالم مختصة بمن حصل له ضرورة بالحجاب لكثرة الملابسة (٥)، فتكون هذه الأحاديث


(١) إرشاد الفحول (ص ٢٢٨ - ٢٣٠) بتحقيقي.
والبحر المحيط (٤/ ٣٢٩).
(٢) تقدم رقم (٢٩٦٤) من كتابنا هذا.
(٣) تقدم رقم (٢٩٦٥) من كتابنا هذا.
(٤) وهو حديث ضعيف وقد تقدم آنفًا.
(٥) • قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (٣٤/ ٦٠): "يعتبر الصِّغر في الرضاعةِ إلَّا إذا دعت إليه الحاجةُ كرضاع الكبير الذي لا يُستغنى عن دخوله على المرأة ويشق احتجابها عنه كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، فمثل هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثَّرَ رضاعهُ؛ وأما ما عداه فلا بدَّ من الصِّغر". اهـ.
• وقال محمد بن إسماعيل الأمير في "سبل السلام" (٦/ ٢٦٥): "هذا جمع حسن بين الأحاديث، وإعمالٌ لها من غير مخالفة لظاهرها باختصاصٍ ولا نسخٍ ولا إلغاء لما اعتبرته اللغة ودلَّتْ عليه الأحاديث". اهـ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>