مخالفة للجماعة فليس فيه ترك للدين، إذ المراد الترك الكلي ولا يكون إلا بالكفر لا مجرد ما يصدق عليه اسم الترك وإن كان لخصلة من خصال الدين للإجماع على أنه لا يجوز قتل العاصي بترك أي خصلة من خصال الإسلام، اللهم إلا أن يراد أنه يجوز قتل الباغي ونحوه دفعًا لا قصدًا، ولكنَّ ذلك ثابتٌ في كل فرد من الأفراد، فيجوز لكل فرد من أفراد المسلمين أن يقتل من بغى عليه مريدًا لقتله، أو أخذ ماله.
ولا يخفى أن هذا غير مراد من حديث الباب، بل المراد بالترك للدين والمفارقة للجماعة الكفر فقط، كما يدلُّ على ذلك قوله في الحديث الآخر:"أوْ كَفَرَ بعدما أسلم"، وكذلك قوله:"أو رجل يخرج من الإسلام".
قوله:(يخرج من الإسلام) هذا مستئنى من قوله: "مسلم" باعتبار ما كان عليه، لا باعتبار الحال الذي قتل فيه، فإنه قد صار كافرًا فلا يصدق عليه أنه امرؤ مسلم.
قوله:(فيقتَلُ أو يُصلب أو يُنفى) هذه الأفعال الثلاثة أوائلها مضمومة مبنية للمجهول.
وفيه دليل على أنه يجوز أن يفعل بمن كفر وحارَبَ أي نوع من هذه الأنواع الثلاثة.
ويمكن أن يراد بقوله:"ورجل يخرج من الإسلام" المحارب، ووصفه بالخروج عن الإسلام لقصد المبالغة، ويدل على إرادة هذا المعنى تعقيب الخروج عن الإسلام بقوله:"فيحارب الله ورسوله"، لما تقرر من أن مجرد الكفر يوجب القتل وإن لم ينضم إليه المحاربة.
ويدل على إرادة ذلك المعنى أيضًا ذكر حد المحارب عقب ذلك بقوله:"فيقتل أو يصلب، أو ينفى من الأرض"، فإن هذا هو الذي أمر الله به في حق المحاربين بقوله: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ (١).