للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحكامنا حتى يظهر الناسخ، وما ذكر هنا - يعني في البقرة - يصلح مفسرًا فلا يجعل ناسخًا.

وأما أنَّ تلك - يعني: آية المائدة - ليست ناسخةً لهذه؛ فلأنها مفسرةٌ بها، فلا تكون هي منسوخة بها.

ودليل آخر على عدم النسخ: أنَّ تلك، أعني ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ (١) حكايةٌ لما في التوراة، وهذه أعني: ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ﴾ إلخ، خطابٌ لنا، وحكم علينا، فلا ترفعها تلك، وإلى هذا أشار - يعني: الزمخشريُّ - بقوله: ولأنَّ تلك عطفًا على مضمون قوله، ويقولون: هي مفسرة، لكنهم يقولون: إنَّ المحكيَّ في كتابنا من شريعة من قبلنا بمنزلة المنصوص المقرّر فيصلح ناسخًا، وما ذكرنا من كونه مفسرًا إنما يتمُّ لو كان قولنا: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ (١) مبهمًا، ولا إبهام، بل هو عامٌّ، والتنصيص على بعض الأفراد لا يدفع العموم سيَّما والخصم يدعي تأخر العام، حيث يجعله ناسخًا، لكن يرد عليه: أنَّه ليس فيه رفع شيءٍ من الحكم السابق، بل إثبات زيادة حكم آخر، اللهمَّ إلا أن يقال: إن في قوله: ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ﴾ الآية؛ دلالة على وجوب اعتبار المساواة في الحرية والذكورة دون الرقّ والأنوثة. انتهى كلام السعد.

والحاصلُ: أن الاستدلال بالقرآن على قتل الحرِّ بالعبد، أو عدمه، أو قتل الذكر بالأنثى، أو عدمه لا يخلو عن إشكال يفتّ في عضد الظنّ الحاصل بالاستدلال، فالأولى: التعويل على ما سلف من الأحاديث القاضية: بأنه لا يقتل الحرُّ بالعبد، وعلى ما ورد من الأحاديث والآثار القاضية: بأنه يقتل الذكر بالأنثى.

(منها) حديث الباب (٢)؛ وإن كان لا يخلو عن إشكال، لأنَّ قتل الذكر الكافر بالأنثى المسلمة لا يستلزم قتل الذكر المسلم بها لما بينهما من التفاوت، ولو لم يكن إلا ما أسلفنا من الأدلة القاضية: بأنه لا يقتل المسلم بالكافر.


(١) سورة المائدة، الآية: (٤٥).
(٢) تقدم برقم (٣٠٠٦) من كتابنا هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>