للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واختلف الجمهورُ هل يتوفى ورثةُ الرجل من ورثة المرأةِ أم لا؟ فذهب الهادي (١)، والقاسم، والناصر، وأبو العباس، وأبو طالب، إلى أنهم يتوفون نصف دية الرجل، وحكاه البيهقي عن عثمان البتي، وحكاه أيضًا السعد في حاشية الكشاف عن مالك. وذهبت الشافعية (٢) والحنفية (٣) وزيد بن عليّ (٤)، والمؤيد بالله (٤)، والإمام يحيى (٤)، إلى أنه يقتل الرجل بالمرأة ولا توفية.

وقد احتجّ القائلون بثبوت القصاص بقوله تعالى: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ (٥).

ويجاب عن ذلك بما قدمنا في الباب الأول من أن هذه الآية حكاية عن بني إسرائيل كما يدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا﴾ أي في التوراة.

وقد صرّح صاحب الكشاف (٦) بأنها واردة لحكاية ما كتب في التوراة على أهلها، فتكون هذه الآية مفسرة أو مقيدة أو مخصصة بقوله تعالى: ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى﴾ (٧).

وهذه الآية تدلُّ على اعتبار الموافقة ذكورةً وأنوثة وحرية.

وقد أجاب السَّعد عن هذا في حاشيته على الكشاف بوجوه:

(الأول): أنَّ القول بالمفهوم إنما هو على تقدير أن لا يظهر للقيدِ فائدة، وههنا الفائدة أن الآية إنما نزلت لذلك.

(والثاني): أنَّه لو اعتبر ذلك لزم أن لا تُقتَل الأنثى بالذكر نظرًا إلى مفهوم الأنثى، قال: وهذا يردّ على ما ذكرنا أيضًا ويدفع بأنه يعلم بطريق الأولى.

(والثالث): أنه لا عبرة بالمفهوم في مقابلة المنطوق الدالّ على قتل النفس بالنفس كيفما كانت.

لا يقال: تلك حكاية عمَّا في التوراة، لا بيانٌ للحكم في شريعتنا. لأنا نقول: شرائع من قبلنا - سيَّما إذا ذكرت في كتابنا - حجةٌ، وكم مثلها في أدلة


(١) البحر الزخار (٥/ ٢١٧).
(٢) البيان للعمراني (١١/ ٤٩٥).
(٣) البناية في شرح الهداية (١٢/ ٢١٣).
(٤) البحر الزخار (٥/ ٢١٧).
(٥) سورة المائدة، الآية: (٤٥).
(٦) الكشاف (٢/ ٢٤٤).
(٧) سورة البقرة، الآية: (١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>