للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما فضل العفو المذكور فيه فهو مثل حديث أبي هريرة (١) المذكور في الباب.

والترغيب في العفو ثابت بالأحاديث الصحيحة ونصوص القرآن الكريم.

ولا خلاف في مشروعية العفو في الجملة، وإنما وقع الخلاف فيما هو الأولى للمظلوم هل العفو عن ظالمه أو الترك؟

فمن رجح الأوّل قال: إن الله سبحانه لا يندب عباده إلى العفو إلا ولهم فيه مصلحة راجحة على مصلحة الانتصاف من الظالم.

فالعافي له من الأجر بعفوه عن ظالمه فوق ما يستحقه من العوض عن تلك المظلمة من أخذ أجر أو وضع وزر لو لم يعف عن ظالمه.

ومن رجَّح الثاني قال: إنا لا نعلم هل عوض المظلمة أنفع للمظلوم أم أجر العفو؟ ومع التردّد في ذلك ليس إلى القطع بأولوية العفو طريق.

ويجاب بأن غاية هذا عدم الجزم بأولوية العفو لا الجزم بأولوية الترك الذي هو الدعوى، ثم الدليل قائم على أولوية العفو، لأن الترغيب في الشيء يستلزم راجحيته، ولا سيما إذا نصّ الشارع على أنه من موجبات رفع الدرجات وحطّ الخطيئات وزيادة العزِّ كما وقع في أحاديث الباب.

ونحنُ لا ننكر: أن للمظلوم الذي لم يعف [عن] (٢) ظلامته عوضًا عنها، فيأخذ من حسنات ظالمه أو يضع عليه من سيئاته، ولكنه لا يساوي الأجر الذي يستحقه العافي لأن الندب إلى العفو والإرشاد إليه والترغيب فيه يستلزم ذلك، وإلا لزم أن يكون ما هو بتلك الصفة مساويًا أو مفضولًا فلا يكون للدعاء إليه فائدة على فرض المساواة أو يكون مضرًّا بالعافي على فرض أن العفو مفضول لأنه كان سببًا في نقصان ما يستحقه من عوض المظلمة، واللازم باطل فالملزوم مثله.


(١) تقدم برقم (٣١/ ٣٠٢٥) من كتابنا هذا.
(٢) ما بين الخاصرتين سقط من (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>