للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من قال: إن عدم قصد القتل إنما يصير القتل من جنس الخطأ إذا كان بما مثله لا يقتل في العادة، لا إذا كان مثله يقتل في العادة فإنه يكون عمدًا وإن لم يقصد به القتل، وإلى هذا ذهبت الهادوية (١) والحديث يردّ عليهم.

لا يقال: الحديث مشكل من جهة أخرى وهي أنه أذن لوليّ المجني عليه بالاقتصاص، ولو كان القتل خطأ لم يأذن له بذلك إذ لا قصاص في قتل الخطأ إجماعًا كما حكاه صاحب البحر (٢)، وهو صريح القرآن والسنة. لأنا نقول: لم يمنعه من الاقتصاص بمجرّد تلك الدعوى لاحتمال أن يكون المدعي كاذبًا فيها، بل حكم على القاتل بما هو ظاهر الشرع، ورهَّب وليّ الدم عن القود بما ذكره معلقًا لذلك على صدقه.

قوله: (أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك)، أما كون القاتل يبوء بإثم المقتول فظاهر، وأما كونه يبوء بإثم وليه فلأنه لما قتل قريبه وفرق بينه وبينه كان جانيًا عليه جنايةً شديدةً لما جرت به عادة البشر من التألم لفقد القريب، والتأسف على فراق الحبيب، ولا سيما إذا كان ذلك بقتله، ولا شكّ أن ذلك ذنب شديد ينضمّ إلى ذنب القتل، فإذا عفا وليّ الدم [عن] (٣) القاتل كانت ظلامته بقتل قريبه وإحراج صدره باقية في عنق القاتل، فينتصف منه يوم القيامة بوضع ما يساويها من ذنوبه عليه فيبوء لإثمه.

قوله: (قال: يا نبيّ الله لعله)، أي لعله أن لا يبوء بإثمي وإثم صاحبي، فقال : "بلى"، يعني بلى يبوء بذلك.

وأما قوله في الرواية الأخرى: "بإثم صاحبه وإثمه" فلا إشكال فيه، وهو مثل ما حكاه الله في القرآن عن ابن آدم حيث قال: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ (٤)، والمراد بالبواء الاحتمال.

قال في القاموس (٥): وبذنبه بَوْأً وَبَوَاءً: احْتَمَلَهُ أو اعْتَرَفَ بهِ، وَدَمَهُ بِدَمِهِ عَدَلَهُ، وبِفُلَانْ قُتِلَ بِهِ فَقَاوَمَهُ. انتهى.


(١) البحر الزخار (٥/ ٢١٥).
(٢) البحر الزخار (٥/ ٢١٥).
(٣) في المخطوط (ب): (على).
(٤) سورة المائدة، الآية: (٢٩).
(٥) القاموس المحيط (ص ٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>