وقد أجمل الطحاوي في "العقيدة الطحاوية" مع شرحها (ص ٤١٦ - ٤١٧) مذهب أهل السنة في كلامه الآتي: "وأهل الكبائر من أمة محمد ﷺ في النار لا يخلدون، إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين، بعد أن لقوا الله عارفين - بل مؤمنين، والاقتصار على المعرفة قول الجهم وهو باطل مردود - وهم في مشيئته وحكمه إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله كما ذكر ﷿ في كتابه: ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨، ١١٦] وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته، وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته. وذلك بأن الله تعالى تولَّى أهل معرفته، ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته، الذين خابوا من هدايته، ولم ينالوا من ولايته … ". اهـ. وهذه الشفاعة التي أشار إليها الطحاوي ﵀ للمعتزلة فيها موقف مخالف لموقف أهل الحق. وذلك أن المعتزلة لا ترى الشفاعة لأحد في الآخرة إلا للمؤمنين فقط دون الفساق من أهل القبلة، فلا شفاعة لأهل الكبائر لأنَّ إثبات ذلك يؤدي إلى خلف وعيد الله وخلف الوعيد عندهم يعتبر كذبًا والله يتنزه عن الكذب. ثم استدلوا بالآيات الواردة في نفي الشفاعة عن غير المؤمنين الفائزين. كقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨)﴾ [البقرة: ٤٨] … ولا ريب أن المعتزلة جانبوا الصواب في الحكم بنفي الشفاعة في العصاة، فإن القول بإثبات هذه الشفاعة مما هو ثابت متواتر عن السلف لثبوت الأحاديث المتواترة بذلك وإجماع علماء الإسلام عدا المعتزلة. والذي جرَّ المعتزلة لهذا الخطأ، خطأ آخر وهو أن من عقائدهم أن السيئات يذهبن الحسنات، فلو أتى الشخص بحسنات كالجبال ثم جاء بعدها بسيئة فإن تلك الحسنات تحبط بمجرد صدور المعصية. ومذهب السلف أنه لا شيء يبطل جميع الحسنات إلا الردة عن الإسلام، والرجوع إلى الكفر. كما أن تكفير جميع السيئات عن المذنب لا يكون إلا بالتوبة، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (١٢/ ٤٨٣): "والتحقيق أن يقال: إن الكتاب والسنة مشتمل على نصوص الوعد والوعيد كما أن ذلك مشتمل على نصوص الأمر والنهي، وكل =