للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾ (١)، فقال النووي في شرح مسلم (٢): إنَّ الصواب في معناها: أن جزاءه جهنم، فقد يجازى بذلك، وقد يجازى بغيره. وقد لا يجازي بل يعفى عنه، فإنْ قتل عمدًا مستحلًا بغير حقٍّ، ولا تأويل؛ فهو كافرٌ مرتدٌّ يخلد في جهنم بالإجماع، وإن كان غير مستحل بل معتقدًا تحريمه فهو فاسقٌ عاصٍ مرتكبُ كبيرةٍ جزاؤها جهنم خالدًا فيها، لكن تفضل الله تعالى وأخبر: أنه لا يخلد من مات موحدًا فيها، فلا يخلد هذا ولكن قد يعفى عنه ولا يدخل النار أصلًا. وقد لا يعفى عنه بل يعذب كسائر عصاة الموحدين ثم يخرج معهم إلى الجنة ولا يخلد في النار، قال: فهذا هو الصواب في معنى الآية، ولا يلزم من كونه يستحقُّ أن يجازى بعقوبة مخصوصة أن يتحتم ذلك الجزاء، وليس في الآية إخبار بأنه يخلد في جهنم وإنما فيها أنها جزاؤه، أي: يستحق أن يجازى بذلك.

وقيل: وردت الآية في رجل بعينه.

وقيل: المراد بالخلود طول المدَّة لا الدوام.

وقيل: معناها هذا جزاؤه إن جازاه، وهذه الأقوال كلها ضعيفة أو فاسدة لمخالفتها حقيقة لفظ الآية، ثم قال: الصواب ما قدمناه، اهـ كلام النووي.

وينبغي أن نتكلم أولًا في معنى الخلود، ثم نبين ثانيًا الجمع بين هذه الآية وبين ما خالفها، فنقول: معنى الخلود الثبات الدائم.

قال في الكشاف (٣) عند الكلام على قوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (٤) ما لفظه: والخلد: الثبات الدائم والبقاء اللازم الذي لا ينقطع، قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (٣٤)(٥).

وقال امرؤ القيس (٦):


(١) سورة النساء، الآية (٩٣).
(٢) في شرحه لصحيح مسلم (١٧/ ٨٢ - ٨٣).
(٣) في "الكشاف" للزمخشري (١/ ٢٣٤).
(٤) سورة البقرة: الآية (٢٥).
(٥) سورة الأنبياء، الآية (٣٤).
(٦) في ديوانه (ص ١٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>