للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه) يشمل من تاب من ذلك ومن لم يتب، وإلى ذلك ذهبت طائفة، وذهب الجمهور (١): إلى أن من تاب لا يبقى عليه مؤاخذة، ومع ذلك فلا يأمن من مكر الله، لأنه لا اطلاع له، هل قبلت توبته أم لا. وقيل: يفرق بين ما يجب فيه الحد وما لا يجب.

قوله: (انطلق إلى أرض كذا وكذا … إلخ) قال العلماء (٢): في هذا استحباب مفارقة التائب للمواضع التي أصاب بها الذنوب، والأخدان المساعدين له على ذلك ومقاطعتهم ما داموا على حالهم، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والمتعبدين الورعين.

قوله: (نصف الطريق) هو بتخفيف الصاد؛ أي بلغ نصفها، كذا قال النووي (٣).

قوله: (فقال: قيسوا ما بين الأرضين) هذا محمول على أن الله تعالى أمرهم عند اشتباه الأمر عليهم واختلافهم فيه أن يحكِّموا رجلًا يمر بهم، فمر المَلَك في صورة رجل فحكم بذلك.

وقد استدل بهذا الحديث على قبول توبة القاتل عمدًا.

قال النووي (٤): هذا مذهب أهل العلم وإجماعهم، ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عباس.

وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا: فمراد قائله الزجر والتورية، لا إنه يعتقد بطلان توبته، وهذا الحديث وإن كان شرع من قبلنا وفي الاحتجاج به خلاف، فليس هذا موضع الخلاف، وإنما موضعه إذا لم يرد شرعنا بموافقته وتقريره، فإن ورد كان شرعًا لنا بلا شك، وهذا وقد ورد شرعنا به، وذلك قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ﴾ (٥) إلى قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ﴾ (٥) الآية.


(١) حكاه الحافظ في "الفتح" (١/ ٦٨).
(٢) حكاه النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (١٧/ ٨٣).
(٣) في شرحه لصحيح مسلم (١٧/ ٨٣ - ٨٤).
(٤) في شرحه لصحيح مسلم (١٧/ ٨٢).
(٥) سورة الفرقان، الآية (٦٨ - ٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>