للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكيف يليق بعالم أن يدَّعيَ نسخَ الحُكْمِ الثابتِ كتابًا وسنة بمجرد ترك الراوي لذلك الحكم في قضية عين لا عموم لها.

وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول بعد موته بعدة من السنين لما جمع لتلك المرأة بين الرجم والجلد: "جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله" (١). فكيف يخفى على مثله الناسخ وعلى من بحضرته من الصحابة الأكابر؟.

وبالجملة: إنا لو فرضنا أنَّه أمر بترك جلد ماعزٍ، وصحَّ لنا ذلك لكان على فرض تقدمه منسوخًا، وعلى فرض التباس المتقدم بالمتأخر مرجوحًا، ويتعين تأويله بما يحتمله من وجوه التأويل.

وعلى فرض تأخره، غاية ما فيه أنه يدل على أن الجلد لمن استحق الرجم غير واجب لا غير جائز، ولكن أين الدليل على التأخير؟

قال ابن المنذر (٢): عارض بعضهم الشافعي فقال: الجلد ثابت على البكر بكتاب الله، والرجم ثابت بسنة رسول الله كما قال عليٌّ.

وقد ثبت الجمع بينهما في حديث عبادة (٣)، وعمل به عليٌّ ووافقه أبيٌّ، وليس في قصة ماعز ومن ذكر معه تصريح بسقوط الجلد عن المرجوم لاحتمال أن يكون ترك ذكره لوضوحه وكونه الأفضل. انتهى.

وقد استدل الجمهور (٤) أيضًا بعدم ذكر الجلد في رجم الغامدية وغيرها، قالوا: وعدمُ ذكرِهِ يدلُّ على عدم وقوعِهِ، وعدمُ وقوعِهِ يدلُّ على عدمِ وجوبهِ.

ويجاب بمنع كون عدم الذكر يدل على عدمِ الوقوع.

لم لا يقال: إن عدم الذكر لقيام أدلة الكتاب والسنة القاضية بالجلد.

وأيضًا عدم الذكر لا يعارض صرائح الأدلة القاضية بالإثبات، وعدم العلم ليس علمًا بالعدم، ومن عَلِمَ حجةٌ على من لم يعلم.


(١) أخرجه أحمد في المسند (١/ ٩٣، ١١٦) وأبو يعلى في المسند رقم (٢٩٠) وأبو نعيم في "الحلية" (٤/ ٣٢٩) والدارقطني (٣/ ١٢٢ - ١٢٣) (١٢٣ - ١٢٤).
وهو حديث صحيح.
(٢) ذكره الحافظ في "الفتح" (١٢/ ١١٩).
(٣) تقدم برقم (٣٠٩٥) من كتابنا هذا.
(٤) الفتح (١٢/ ١١٨) والمغني (١٢/ ٣١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>