للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جلدة، والكلُّ ممنوعٌ، فإن الهذيان إذا كان ملازمًا للسكر، فلا يلازمه الافتراء، لأنَّه نوع خاصٌ من أنواع ما يهذو به الإنسان، والجلد إنما يلزم من افترى افتراءً خاصًّا، وهو القذف لا كلَّ مفتر، وهذا مما لا خلاف فيه، فكيف صحَّ مثل هذا القياس؟! فإن قال قائل: إنه من باب الإخراج للكلام على الغالب؛ فذلك أيضًا ممنوع، فإن أنواع الهذيان بالنسبة إلى الافتراء، وأنواع الافتراء بالنسبة إلى القذف هي الغالبة بلا ريب.

وقد تقرر في علم المعاني أنَّ أصل (إذا) (١) الجزمُ بوقوع الشرط، ومثل هذا الأمر النادر مما يبعد الجزم بوقوعه، باعتبار كثرة الأفراد المشاركة له في ذلك الاسم وغلبتها، وللقياس شروط مدونة في الأصول (٢) لا تنطبق على مثل هذا الكلام.

ولكن مثلُ أمير المؤمنينَ وَمَنْ بحضرته من الصحابة الأكابر هم أصل الخبرة بالأحكام الشرعية ومداركها.

قوله: (بلغني أنَّ عليه نصف حدِّ الحرِّ) قد ذهب إلى التنصيف للعبد في حد الزنا والقذف والشرب الأكثر من أهل العلم (٣).

وذهب ابن مسعود (٤)، والليث،


(١) • الأصل في (إذا) أن تكون للمقطوع بحصوله، ولكثير الوقع، فمن المقطوع بحصوله، قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ [البقرة: ١٨٠]، فإنَّ كل واحد منا سيحضره الموت، وقوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [آل عمران: ٢٥] وأما ما يقع كثيرًا، فنحو قوله تعالى: ﴿إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢].
انظر: معترك الأقران في إعجاز القرآن (٢/ ٥٠ - ٥١).
ومعاني النحو (٤/ ٦١ - ٦٢).
(٢) "إرشاد الفحول" (ص ٦٧٨ - ٦٨٥) بتحقيقي والبحر المحيط (٥/ ٨٣) وتيسير التحرير (٣/ ٢٨٦).
(٣) المغني (١٢/ ٥١١) والاختيار (٤/ ٣٥٥) والبيان للعمراني (١٢/ ٥٢٤).
(٤) قلت: بل ذهب ابن مسعود إلى خلاف ما نقله الشوكاني. قال الدكتور القلعه جي في "موسوعة فقه عبد الله بن مسعود" (ص ١٩٩): (٨ - تنصيف الحد في حق العبد: طالما أن الحدود حق لله تعالى، فإن الله تعالى جعل عقوبة الحر إذا ارتكبه عبد نصف عقوبته على الحر إن كان الحد قابلًا للتنصيف، ولذلك فإننا رأينا ابن مسعود عندما أتاه رجل =

<<  <  ج: ص:  >  >>