وهذا ما لا يفهمه المستشرقون أو لا يكادون يدركونه. فقد أخرج عبد الرزاق في المصنف رقم (٢٠٤٢٧) عن معمر عن ابن طاووس عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أخبره قال: لما قتل عمار بن ياسر، دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص، فقال: قتل عمار، وقد سمعت رسول الله ﷺ يقول: تقتله الفئة الباغية، فقام عمرو يرجع فزعًا حتى دخل على معاوية … فأخبره. قلنا: وهذا إسناد صحيح، ونقول للمستشرقين: انظروا إلى قول الراوي (فقام عمرو فزعًا). فلو كان طالبًا للدنيا والملك فلماذا الفزع … إلا أن خشية الصحابة من أن يكونوا قد أخطؤوا في اجتهادهم فلم يكونوا من الفرقة التي هي أقرب من الحق. كما أخرج ابن سعد في طبقاته (٣/ ٢٥٤) أن عمرو بن العاص حينما وقف على عمار مقتولًا انتقع لونه، أي: تغير لونه واصفر. ونقول لأهل البدع وأعداء التاريخ الإسلامي، أن عليًا ﵁ حزن لمقتل الزبير ﵁، الذي كان في الصف المقابل، وعندما دخل قاتل الزبير بشَّره علي بنار جهنم، وذلك بعد انتهاء معركة الجمل. وكذلك عمرو بن العاص عندما جاءه رجلان يدعي كل منهما أنه قتل عمارًا، ظنًا منهما أن الصحابي عمرو بن العاص سيغدق عليهما، ولكن خاب ظنهما فما أن رآهما عمرو يختصمان حتى بشرهما بالنار. فقد أخرج الحاكم في المستدرك (٣/ ٣٨٦) عن عبد الله بن عمرو: أن رجلين أتيا عمرو بن العاص يختصمان في دم عمار بن ياسر وسلبه، فقال عمرو: خليا عنه، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "اللهم أولعت قريش بعمار، إن قاتل عمار وسالبه في النار". بسند صحيح. كما نذكر القارئ بأن رسول الله ﷺ قال للحسن بن علي: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٢٧٠٤). وهذا دليل قطعي على أن الطرفين (وإن بغا أحدهما) لم يخرجا من دائرة الإسلام والإيمان بنص الكتاب والسنة. وكذلك الحديث الصحيح المتقدم برقم (٣١٩٠) من كتابنا هذا ولفظه: "تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلهما أولى الطائفتين بالحق". وفي رواية أخرى: "تمرق مارقة من الناس يلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق". وهذا يعني أن كل طائفة كانت على الحق إذا كان بمعنى الإسلام والتوحيد، ولكن إحداهما كانت أقرب إلى الحق بمعنى اتخاذ القرار الصائب شرعًا. وهو ما كان عليه علي والمصلحون من أصحابه كما قال عمار. =