للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا يمكن فيما لا حقيقة له، وهذا الحديث أيضًا مصرِّح بإثباته وأنه أشياء دفنت وأخرجت، وهذا كله يبطل ما قالوه، فإحالة كونه من الحقائق محال. ولا يستنكر في العقل أن الله سبحانه يخرق العادة عند النطق بكلامٍ، أو تركيب أجسامٍ، أو المزج بين قوى على ترتيب لا يعرفه إلا الساحر.

وإذا شاهد الإنسان بعض الأجسام، منها: قاتلة كالسموم، ومنها: مسقمة كالأدوية الحادة، ومنها: مضرة كالأدوية المضادة للمرض لم يستبعد عقله أن ينفرد الساحر بعلم قوى قتّالة أو كلام مهلك أو مؤدٍّ إلى التفرقة. قال: وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسبب آخر، فزعم أنه يحط منصب النبوة وبشكك فيها، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع.

قال (١): وهذا الذي ادّعاه هؤلاء المبتدعة باطلٌ، لأنَّ الدلائل القطعية قد قامت على صدقه وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ، والمعجزة شاهدةٌ بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل.

فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها ولا كان مفضلًا من أجلها وهو مما يعرض للبشر، فغير بعيد أن يخيَّل إليه وطئ زوجاته وليس بواطئ، وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام، فلا يبعد تخيله في اليقظة ولا حقيقة له.

وقيل: إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله، ولكن لا يعتقد صحة ما تخيله، فتكون اعتقاداته على السداد.

قال القاضي عياض (٢): وقد جاءت رواياتُ هذا الحديث مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على عقله وقلبه واعتقاده، ويكون معنى قوله في الحديث: "حتى يظنَّ أنه يأتي أهله ولا يأتيهم" (٣)، ويروى: "أنَّه يخيل إليه"، أي: يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن، فإذا دنا منهن أخذه السحر فلم يأتهن ولم يتمكن من ذلك، وكل ما جاء في الروايات من أنه يخيل إليه أنه فعل شيئًا ولم يفعله ونحوه فمحمول على التخيل بالبصر لا بخلل


(١) أي المازري في المرجع السابق.
(٢) في إكمال المعلم بفوائد مسلم له (٨٨/ ٧).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٥٧٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>