للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن ذلك قوله في حديث الباب (١): "أنا فئتكم وفئة المسلمين"، والأصل في جواز ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ (٢)، وقد جوَّزت الهادوية (٣) الفرار إلى منعةٍ من جبلٍ، أو نحوه، وإن بعدت، ولخشية استئصال المسلمين، أو ضرر عامّ للإِسلام، وأما إذا ظنُّوا: أنهم يُغلبون إذا لم يفرُّوا ففي جواز فرارهم وجهان.

قال الإِمام يحيى (٤): أصحهما: أنَّه يجب الهرب، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (٥) ولا، [إذ] (٦) قال رجل: "يا رسول الله أرأيت لو انغمست في المشركين؟ ". وقد تقدم في أول الجهاد. وتقدم تفسير الآية.

قوله: (لما نزلت: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ﴾ (٧) … إلخ). قال في البحر (٨) مسألة: وكانت الهزيمة محرمة وإن كثر الكفار لقوله تعالى: ﴿فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ﴾ (٩) ثم خفف عنهم بقوله: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ (١٠)، فأوجب على كلِّ واحدٍ مصابرة عشرة، ثم خفف عنهم، وأوجب على الواحد مصابرة اثنين بقوله: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ﴾ (١١) الآية.

واستقرَّ الشرع على ذلك، فحينئذٍ حرمت الهزيمة لقول ابن عباس: من فر من اثنين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فلم يفر، انتهى.

قوله: (فحاص الناس حيصة) بالمهملات. قال ابن الأثير (١٢): حصت عن الشيء: حدت عنه وملت عن جهته، هكذا قال الخطابي (١٣).

قال المصنف (١٤) رحمه الله تعالى: وقوله: "حاصوا"، أي: حادوا حيدة،


(١) تقدم برقم (٣٣٣٥) من كتابنا هذا.
(٢) سورة الأنفال، الآية: (١٦).
(٣) البحر الزخار (٥/ ٤٠٢).
(٤) في البحر الزخار (٥/ ٤٠٢).
(٥) سورة البقرة، الآية: (١٩٥).
(٦) في المخطوط (ب): (إذا).
(٧) سورة الأنفال، الآية: (٦٥).
(٨) البحر الزخار (٥/ ٤٠٢).
(٩) سورة الأنفال، الآية: (١٥).
(١٠) سورة الأنفال، الآية: (٦٥).
(١١) سورة الأنفال، الآية: (٦٦).
(١٢) في النهاية (١/ ٤٥٩).
(١٣) في "معالم السنن" (٣/ ١٠٦ - مع السنن).
(١٤) ابن تيمية الجد في "المنتقى" (٢/ ٧٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>