للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا يعارض ذلك ما تقدم: من أنه كان إذا أراد غزوةً ورَّى بغيرها، فإنَّ المراد: أنه كان يريد أمرًا فلا يظهره، كأنْ يريد أن يغزو جهة المشرق فيسأل عن أمر في جهة المغرب، ويتجهز للسفر، فيظنُّ من يراه ويسمعه: أنَّه يريد جهة المغرب، وأما إنه يصرِّح بإرادته المغرب ومراده المشرق فلا.

قال ابن بطال (١): سألت بعض شيوخي عن معنى هذا الحديث فقال: الكذب المباح في الحرب ما يكون في المعاريض، لا التصريح بالتأمين مثلًا.

وقال المهلب (٢): لا يجوز الكذب الحقيقي في شيءٍ من الدين أصلًا. قال: ومحال أن يأمر بالكذب من يقول: "من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" (٣)، ولرده ما تقدم.

قال الحافظ (٤): واتفقوا: على أن المراد بالكذب في حقِّ المرأة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقًّا عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها، وكذا في الحرب في غير التأمين.

واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار كما لو قصد ظالمٌ قتل رجلٍ وهو مختف عنده فله أن ينفي كونه عنده، ويحلف على ذلك، ولا يأثم، انتهى.

وقال القاضي زكريا: وضابط ما يباح من الكذب وما لا يباح: أن الكلام وسيلة إلى المقصود، فكلُّ مقصودٍ محمودٌ إن أمكن التوصل إليه بالصدق فالكذب فيه حرام، وإن لم يُمكن إلا بالكذبِ فهو مباحٌ إن كان المقصود مباحًا وواجبٌ إن كان المقصود واجبًا، انتهى.

والحقُّ أن الكذب حرامٌ كلُّه بنصوص القرآن والسنَّة من غير فرق بين ما كان


(١) في شرحه لصحيح البخاري (٥/ ١٨٩).
(٢) ذكره الحافظ في "الفتح" (٦/ ١٦٠) وابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (٥/ ١٨٩).
(٣) وهو حديث متواتر.
(منها): ما أخرجه أحمد (٢/ ١٥٩) والبخاري رقم (٣٤٦١) والترمذي رقم (٢٦٦٩) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
و (منها): ما أخرجه البخاري رقم (١٢٩١) ومسلم رقم (٤) من حديث المغيرة.
و (منها): ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (١٠٧) من حديث الزبير بن العوام.
(٤) في "الفتح" (٥/ ٣٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>