للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال آخرون: لا يجوز الكذب في شيءٍ مطلقًا، وحملوا الكذب المراد هنا: على التورية، والتعريض، كمن يقول للظالم: دعوت لك أمس، وهو يريد.

قوله: اللهم اغفر للمسلمين، ويعد امرأته بعطيةٍ شيءٍ ويريد: إنْ قدَّر الله ذلك، وأن يظهر من نفسه قوَّة قلب، وبالأول جزم الخطابي (١)، وبالثاني جزم المهلب (٢) والأصيلي (٢) وغيرهما.

قال النووي (٣): الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة لكن التعريض أولى.

وقال ابن العربي (٤): الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنصِّ رفقًا بالمسلمين لحاجتهم إليه، وليس للعقل فيه مجال، ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالًا، انتهى.

ويقوي ذلك حديث الحجاج بن علاط المذكور (٥).

ولا يعارض ما ورد في جواز الكذب في الأمور المذكورة ما أخرجه النسائي (٦) من طريق مصعب بن سعد، عن أبيه في قصة عبد الله بن أبي سرحٍ وقول الأنصار للنبي لما كفَّ عن بيعته: هلَّا أومأت إلينا بعينك؟ قال: "ما ينبغي لنبي أن يكون له خائنة الأعين" لأنَّ طريق الجمع بينهما: أن المأذون فيه بالخداع والكذب في الحرب حالة الحرب خاصةً.

وأما حالة المبايعة فليست بحالة حرب، كذا قيل: وتعقب: بأنَّ قصة الحجاج بن علاط (٥) أيضًا لم تكن في حال حرب.

قال الحافظ (٧): والجواب المستقيم أن يقال: المنع مطلقًا من خصائص النبي فلا يتعاطى شيئًا من ذلك، وإن كان مباحًا لغيره.


(١) في "معالم السنن" (٥/ ٢١٩ - ٢٢٠ مع السنن).
(٢) ذكره الحافظ في "الفتح" (٥/ ٣٠٠) وابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (٥/ ١٨٩).
(٣) في شرحه لصحيح مسلم (١٢/ ٤٥).
(٤) في "عارضة الأحوذي" (٧/ ١٧١).
(٥) تقدم تخريجه آنفًا ص ١٣٩.
(٦) في السنن الكبرى رقم (٣٥٣٠ - العلمية).
(٧) في "الفتح" (٦/ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>