للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (ولكن جهاد ونية) قال الطيبي (١) وغيره: هذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله. والمعنى: أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن؛ التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة؛ انقطعت إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية، وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة، كالفرار من دار الكفر، والخروج في طلب العلم، والفرار بالدين من الفتن، والنية في جميع ذلك.

قوله: (وإذا استنفرتم فانفروا) قال النووي (٢): يريد: أن الخير الذي انقطع بانقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة، وإذا أمركم الإِمام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه.

قال الطيبي (٣): إن قوله: "ولكن جهاد … إلخ" معطوف على محل مدخول "لا هجرة" أي الهجرة من الوطن إما للفرار من الكفار، أو إلى الجهاد، أو إلى غير ذلك، كطلب العلم، فانقطعت الأولى وبقيت الأخريان، فاغتنموهما، ولا تقاعدوا عنهما. بل إذا استنفرتم فانفروا.

قال الحافظ (٤): وليس الأمر في انقطاع الهجرة من الكفار على ما قال، انتهى.

وقد اختلف في الجمع بين أحاديث الباب، فقال الخطابي (٥) وغيره: كانت الهجرة فرضًا في أول الإِسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع، فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجًا، فسقط فرض الهجرة إلى المدينة، وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدوّ، انتهى.

قال الحافظ (٦): وكانت الحكمة أيضًا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى من يؤذيه من الكفار، فإنهم كانوا يعذّبون من أسلم منهم إلى أن


(١) في شرحه على مشكاة المصابيح (٧/ ٣٤٥).
(٢) في شرحه لصحيح مسلم (١٣/ ٨).
(٣) في شرحه على مشكاة المصابيح (٧/ ٣٤٦).
(٤) في "الفتح" (٦/ ٣٩).
(٥) في "معالم السنن" (٣/ ٨ - مع السنن).
(٦) في "الفتح" (٦/ ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>