فَخُذُوا ذَاتَ اليَمِينِ"، فَوَالله ما شَعَرَ بِهِمْ خالِدٌ حتَّى إذَا هُمْ بِقَترَةِ الجيش، فانْطَلَق يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسارَ النَّبِيُّ ﷺ حتَّى إذَا كانَ بالثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنْها بَرَكَتْ بِهِ ناقَتُهُ، فَقالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ، فألحَّتْ، فَقالُوا: خَلأتِ القَصْواءُ خَلأَتِ القَصْوَاءُ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: "ما خَلأَت القَصْوَاءُ، ومَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَها حابِسُ الفِيلِ"، قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَسألُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيها حُرُماتِ الله إلَّا أعْطَيْتُهُمْ إيَّاها"، ثُمَّ زَجَرَها فَوَثَبَتْ، قالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حتَّى نَزَلَ بأقْصَى الحُدَيْبِيَةِ على ثَمْدٍ قَلِيلٍ يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تبَرُّضًا، فَلَمْ يَلْبَثِ النَّاسُ حتَّى نَزَحُوهُ وَشُكِيَ إلى رَسُولِ الله ﷺ العَطَشُ، فانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنانَتِهِ، ثُمَّ أمَرَهُمْ أنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَوَالله ما زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بالرِّيّ حتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنا هُمْ كَذَلِكَ إذْ جاءَهُمْ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقاءَ الخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ وكانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ الله ﷺ مِنْ أهْلِ تِهامَةَ، فَقالَ: إني تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤيٍّ وَعامِرَ بْنَ لُؤيٍّ، نَزَلُوا إعْدَادَ مِياهَ الحُدَيبيَةِ مَعَهُمْ العُوذُ المَطافِيلُ، وَهُمْ مُقاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ البَيْتِ، فَقالَ رَسُولُ الله ﷺ: "إنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتالِ أَحَدٍ، وَلَكِنْ جِئْنا مُعْتَمِرِينَ، وَإنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهَكَتْهُمُ الحَرْبُ وأضَرَّتْ بِهِمْ، فإنْ شاءُوا مادَدْتُهُمْ مُدَّةً ويُخَلُّوا بَيْنِي وَبَينَ النَّاس، فإنْ أظْهَرْ فإنْ شاءُوا أنْ يَدْخُلُوا فِيما دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإلَّا فَقَدْ جَمُّوا، فينْ هُمْ أبوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأُقاتِلَنَّهُمْ على أمْرِي هَذَا حتَّى تَنْفَرِدَ سالِفَتِي، أوْ لِيُنْفِذَن الله أمْرَهُ"، فَقالَ بُدَيْلٌ: سأُبَلِّغهُمْ ما تَقُولُ، فانْطَلَقَ حتَّى أتى قُرَيْشًا، فَقالَ: إنَّا قَدْ جئْناكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ، وَقَدْ سَمِعْناهُ يَقُولُ قَوْلًا، فإن شِئْتُمْ أنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنا، فَقالَ سُفَهاؤهُمْ: لا حاجَةَ لَنا [إلى] (١) أنْ تُخْبِرَنا عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقالَ ذُو الرأيِ مِنْهُمْ: هاتِ ما سَمِعْتَهُ يَقُولُ، قالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَذَا وكَذَا، فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قالَ النَّبِيُّ ﷺ.
فَقامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُود فَقالَ: أيْ قَوْمُ ألَسْتُمْ بالوَالِدِ؟ قالُوا: بَلَى، قالَ: أوَ
(١) في المخطوط (ب) شطب عليها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute