للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (وما ذاك لها بخلق) أي بعادةٍ.

قال ابن بطال (١) وغيره: في هذا الفصل جواز الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش طلبًا لغرتهم، وجواز التنكب عن الطريق السهل إلى الوعر للمصلحة، وجواز الحاكم على الشيء بما عرف من عادته وإن جاز أن يطرأ عليه غيره، وإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد منه مثلها لا ينسب إليها ويردُّ على من نسبه إليها ومعذرة من نسبه ممن لا يعرف صورة الحال.

قوله: (حبسها حابس الفيل) زاد ابن إسحاق (٢) عن مكة: أي: حبسها الله تعالى عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها، وقصة الفيل مشهورة.

ومناسبة ذكرها أن الصحابة لو دخلوا مكة على تلك الصورة وصدهم قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال قد يفضي إلى سفك الدماء ونهب الأموال كما لو قدر دخول الفيل وأصحابه مكة، لكن سبق في علم الله تعالى في الموضعين أنه سيدخل في الإِسلام خلق منهم، وسيخرج من أصلابهم ناس يسلمون ويجاهدون، وكان بمكة في الحديبية جمع كثير مؤمنون من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، فلو طرق الصحابة مكة لما أمن أن يصاب منهم ناس بغير عمد كما أشار إليه تعالى في قوله: ﴿وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ﴾ (٣) الآية.

ووقع للمهلب (٤) استبعاد جواز هذه الكلمة - وهي حابس الفيل - على الله تعالى، فقال: المراد: حبسها أمر الله ﷿.

وتعقب بأنه يجوز إطلاقه في حق الله تعالى، فيقال: حبسها الله حابس الفيل، كذا أجاب ابن المنير (٤) وهو مبني على الصحيح من أن الأسماء توقيفية.

وقد توسط الغزالي (٥)


(١) في شرحه لصحيح البخاري (٨/ ١٢٦) نقلًا عن المهلب.
(٢) السيرة النبوية لابن هشام (٣/ ٤٣٠).
(٣) سورة الفتح، الآية: (٢٥).
(٤) حكاه عنه الحافظ في الفتح (٥/ ٣٣٦).
(٥) في كتابه "المقصد الأسنى في شرح معاني الأسماء الحسنى" ص ١٦٥: "ولو جُوِّز اشتقاق الأسامي من الأفعال فستكثر هذه الأسامي المشثقة، لكثرة الأفعال المنسوبة إلى الله تعالى في القرآن، كقوله تعالى: ﴿وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل: ٦٢]، و ﴿يَقْذِفُ بِالْحَقِّ﴾ [سبأ: ٤٨] =

<<  <  ج: ص:  >  >>