للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتعقب بأن الواقدي (١) روى: أن مكرزًا كان ممن جاء في الصلح مع سهيل، وكان معهما حويطب بن عبد العزى، لكن ذكر في روايته ما يدلّ على أن إجازة مكرز لم تكن في أن لا يردّه إلى سهيل، بل في تأمينه من التعذيب ونحو ذلك، وأن مكرزًا وحويطبًا أخذا أبا جندل، فادخلاه فسطاطًا، وكفّا أباه عنه.

وفي مغازي ابن عائذ (١) نحو ذلك كله، ولفظه: "فقال مكرز بن حفص وكان ممن أقبل مع سهيل بن عمرو في التماس الصلح: أنا له جار، وأخذ بيده فأدخله فسطاطًا".

قال الحافظ (٢): وهذا لو ثبت لكان أقوى من الاحتمالات الأول، فإنه لم يجزه بأن يقرّه عند المسلمين، بل ليكفّ العذاب عنه ليرجع إلى طواعية أبيه، فما خرج بذلك عن الفجور، لكن يعكر عليه ما في رواية الصحيح السابقة بلفظ: "فقال مكرز": قد أجزناه لك، يخاطب النبيّ بذلك.

قوله: (فقال أبو جندل: أي معشر المسلمين … إلخ) زاد ابن إسحاق (٣): "فقال رسول الله : يا أبا جندل اصبر واحتسب؛ فإنا لا نغدر، وإن الله جاعل لك فرجًا ومخرجًا".

قال الخطابي (٤): تأوّل العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين:

أحدهما: أن الله تعالى قد أباح التقية للمسلم إذا خاف الهلاك. ورخص له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الإِيمان إن لم تمكنه التورية فلم يكن ردّه إليهم إسلامًا لأبي جندل إلى الهلاك مع وجود السبيل إلى الخلاص من الموت بالتقية.

والوجه الثاني: أنه إنما ردّه إلى أبيه، والغالب أن أباه لا يبلغ به إلى الهلاك؟ وإن عذّبه، أو سجنه، فله مندوحة بالتقية أيضًا.

وأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من الله يبتلي به صبر عباده المؤمنين.

واختلف العلماء هل يجوز الصلح مع المشركين على أن يردّ إليهم من جاء


(١) حكاه الحافظ في "الفتح" (٥/ ٣٤٥).
(٢) في "الفتح" (٥/ ٣٤٥).
(٣) السيرة النبوية لابن هشام (٣/ ٤٤٢).
(٤) في معالم السنن (٣/ ٢٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>