ثم روى الخلال بسنده الصحيح أيضًا عن إبراهيم بن المنذر - مدني ثقة من شيوخ البخاري - وسئل فقيل له: أنتم ترخصون في الغناء؟ فقال: "معاذ الله! ما يفعل هذا عندنا إلا الفسّاق". وأما الأقوال التي نقلها الشوكاني مما سبقت الإشارة إليه ووعدنا بالكلام عليها، فالجواب من وجهين: (الأول): أنَّه لو صحت نسبتها إلى قائليها (وفيهم الكوفي والمدني وغيرهم)، فلا حجة فيها، لمخالفتها لما تقدم من الأحاديث الصحيحة الصريحة الدلالة. (والثاني): أنه صحَّ عن بعضهم خلاف ذلك، فالأخذ بها أولى، بل هو الواجب، فَلْأَذكر ما تيسر لي الوقوف عليه منها: • (الأول): شريح القاضي، قال أبو حصين: أنَّ رجلًا كسر طنبور رجل، فخاصمه إلى شريح، فلم يضمّنه شيئًا. أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٧/ ٣١٢ رقم ٣٢٧٥) وإسناده صحيح. والبيهقي (٦/ ١٠١) والخلال (ص ٢٦) وقال عقبه: "قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: هو منكَر، لم يقض فيه بشيء". وأبو عبد الله هو الإمام أحمد، وروى عنه نحوه أبو داود في "مسائله" (ص ٢٧٩). • (الثاني): سعيد بن المسيب، قال: "إني لأُبغض الغناء وأُحبّ الرجز". أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (١١/ ٦ رقم ١٩٧٤٣) بسند صحيح. • (الثالث): الشعبي (عامر بن شراحيل)، روى عنه إسماعيل بن أبي خالد أنه كره أجر المغنية، وقال: "ما أُحبّ أن آكله". أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٧/ ٩ رقم ٢٢٠٣) بسند صحيح. • (الرابع): مالك بن أنس، وقدمنا عنه بالسند الصحيح أنه قال في الغناء: "إنما يفعله عندنا الفساق". ومع ذلك نقل الشوكاني عن القفال أنّ مذهب مالكٍ إباحة الغناء بالمعازف!! ".