للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن جملة ما قاله المجوّزون أنا لو حكمنا بتحريم اللهو لكونه لهوًا لكان جميع ما في الدنيا محرمًا لأنه لهو لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ (١)، ويجاب بأنه لا حكم على جميع ما يصدق عليه مسمى اللهو لكونه لهوًا، بل الحكم بتحريم لهو خاصّ وهو لهو الحديث المنصوص عليه في القرآن، لكنه لما علل في الآية بعلة الإضلال عن سبيل الله لم ينتهض للاستدلال به على المطلوب.

وإذا تقرّر جميع ما حررناه من حجج الفريقين فلا يخفى على الناظر أن محلّ النزاع إذا خرج عن دائرة الحرام لم يخرج عن دائرة الاشتباه، والمؤمنون وقَّافون عند الشبهات كما صرّح به الحديث الصحيح (٢): "ومن تركها فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه"، ولا سيما إذا كان مشتملاً على ذكر القدود والخدود، والجمال والدلال، والهجر والوصال، ومعاقرة العقار (٣)، وخلع العذار (٤) والوقار، فإنَّ سامع ما كان كذلك لا يخلو عن بلية وإن كان من التصلب في ذات الله على حدّ يقصر عنه الوصف، وكم لهذه الوسيلة الشيطانية من قتيل دمه مطلول، وأسير بهموم غرامه وهيامه مكبول، نسأل الله السداد والثبات.

ومن أراد الاستيفاء للبحث في هذه المسئلة فعليه بالرسالة التي سميتها: (إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع) (٥).


(١) سورة الأنعام، الآية: (٣٢).
(٢) أحمد في المسند (٤/ ٢٦٩، ٢٧٠، ٢٧١، ٢٧٤، ٢٧٥) والبخاري رقم (٥٢) ومسلم رقم (١٠٧/ ١٥٩٩) وأبو داود رقم (٣٣٢٩)، والترمذي رقم (١٢٠٥) وابن ماجه رقم (٣٩٨٤) والنسائي رقم (٤٤٥٣) من حديث النعمان بن بشير.
(٣) تهذيب اللغة (١/ ٢١٧) والصحاح (٢/ ٧٥٤): العقار: الخمر.
(٤) لسان العرب (٤/ ٥٥٠) العذار: الحياء.
(٥) وهي الرسالة رقم (١٧٣) ضمن الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني (١٠/ ٥١٩٩ - ٥٢٦٠) بتحقيقي. ن: دار الجيل الجديد - صنعاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>