للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) أي: اجعلوه قدر استطاعتكم.

قال النووي (١): هذا من جوامع الكلم وقواعد الإسلام، ويدخل فيه كثير من الأحكام، كالصلاة لمن عجز عن ركن منها أو شرط فيأتي بالمقدور، وكذا الوضوء وستر العورة، وحفظ بعض الفاتحة، وإخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل، والإمساك في رمضان لمن أفطر بالعذر ثم قدر في أثناء النهار، إلى غير ذلك من المسائل التي يطول شرحها، واستدلّ به على أن من أُمر بشيء فعجز عن بعضه ففعل المقدور أنه يسقط عنه ما عجز عنه، وبذلك استدلّ المزني على أن ما وجب أداؤه لا يجب قضاؤه، ومن ثم كان الصحيح أن القضاء بأمر جديد.

واستدلّ بهذا الحديث على أن اعتناء الشارع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات، لأنَّه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك، وقيد في المأمورات بالاستطاعة، وهذا منقول عن الإمام أحمد (٢).

فإن قيل: إن الاستطاعة معتبرة في النهي أيضاً إذ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ (٣).

فجوابه أن الاستطاعة تطلق باعتبارين، كذا قيل.

قال الحافظ (٤): والذي يظهر أن التقييد في الأمر بالاستطاعة لا يدلّ على المدعى من الاعتبار، بل هو من جهة الكف، إذ كل واحد قادر على الكف لولا داعية الشهوة مثلاً، فلا يتصوّر عدم الاستطاعة من الكف، بل كل مكلف قادر على الترك بخلاف الفعل، فإن العجز عن تعاطيه محسوس، فمن ثم قيد في الأمر بحسب الاستطاعة دون النهي، قال [ابن فَرْح] (٥) في "شرح الأربعين" (٦): إن


(١) في شرحه لصحيح مسلم (٩/ ١٠٢).
(٢) حكاه عنه الحافظ في "الفتح" (١٣/ ٢٦٢).
(٣) سورة البقرة، الآية: (٢٨٦).
(٤) في "الفتح" (١٣/ ٢٦٢).
(٥) في كل طبعات نيل الأوطار (ابن فرج) والصواب (ابن فَرْح) كما تقدم التنبيه عليه قريبًا.
(٦) شرح الأربعين، ابن فَرْح، (أبو العباس، أحمد بن فرح الإشبيلي، ت ٦٩٩ هـ) كما في كشف الظنون (١/ ٥٩).
[معجم المصنفات (ص ٢٢٨ رقم ٦٦٨)].

<<  <  ج: ص:  >  >>