للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (فخذوا منهم حقّ الضيف … إلخ) قال الخطابي (١): إنما كان يلزم ذلك في زمنه حيث لم يكن بيت مال، فأما اليوم فأرزاقهم في بيت المال، لا حقّ لهم في أموال المسلمين.

وقال ابن بطال (٢): قال أكثرهم: إنه كان هذا في أول الإِسلام حيث كانت المواساة واجبة، وهو منسوخ بقوله: "جائزته" كما في حديث الباب، قالوا: والجائزة تفضُّل لا واجب.

قال ابن رسلان: قال بعضهم: المراد أن لكم أن تأخذوا من أعراض من لم يضيفكم بألسنتكم، وتذكروا للناس لؤمهم والعيب عليهم، وهذا من المواضع التي يباح فيها الغيبة، كما أن القادر المماطل بالدين مباح عرضه وعقوبته.

وحمله بعضهم على أن هذا كان في أول الإسلام وكانت المواساة واجبة، فلما اتسع الإِسلام نسخ ذلك.

قال النووي (٣): وهذا تأويل ضعيف، أو باطل؛ لأن هذا الذي ادّعاه قائله لا يعرف. انتهى.

وقد تقدم ذكر قائله قريبًا، فتعليل الضعف أو البطلان بعدم معرفة القائل ضعيف أو باطل، بل الذي ينبغي عليه التعويل في ضعف هذا التأويل هو أن تخصيص ما شرعه لأمته بزمن من الأزمان، أو حال من الأحوال لا يقبل إلا بدليل ولم يقم هاهنا دليل على تخصيص هذا الحكم بزمن النبوّة، وليس فيه مخالفة للقواعد الشرعية؛ لأن مؤنة الضيافة بعد شرعتها قد صارت لازمة للمضيف لكل نازل عليه، فللنازل المطالبة بهذا الحقّ الثابت شرعًا كالمطالبة بسائر الحقوق، فإذا أساء إليه واعتدى عليه بإهمال حقه؛ كان له مكافأته بما أباحه له الشارع في هذا الحديث، ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ (٤)، ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ (٥).


(١) في أعلام الحديث (٢/ ١٢٢٤ - ١٢٢٥).
(٢) في شرحه لصحيح البخاري (٦/ ٥٨٥).
(٣) في شرحه لصحيح مسلم (١٢/ ٣٢).
(٤) سورة الشورى، الآية: (٤٠).
(٥) سورة البقرة، الآية: (١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>