للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وجنح الطحاوي (١) إلى تأويل آخر، وهو حمل النهي على من لم يسمِّ عند شربه، وهذا إن سلم له في بعض ألفاظ الأحاديث، لم يسلم له في بقيتها، وسلك آخرون في الجمع بحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه، وأحاديث الجواز على بيانه، وهي طريقة الخطابي (٢)، وابن بطال (٣) في آخرين.

قال الحافظ (٤): وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض. وقد أشار الأثرم إلى ذلك آخرًا فقال: إن ثبتت الكراهة حملت على الإرشاد والتأديب لا على التحريم، وبذلك جزم الطبري (٥) وأيده بأنه لو كان جائزًا ثم حرمه، أو كان حرامًا ثم جوّزه، لبين النبيّ ذلك بيانًا واضحًا، فلما تعارضت الأخبار في ذلك جمعنا بينها بهذا.

وقيل: إنَّ النهي عن ذلك إنما هو من جهة الطبِّ مخافة وقوع ضرر به، فإنَّ الشرب قاعدًا أمكنُ وأبعدُ من الشَرَقِ، وحصول الوجع في الكبد أو الحلق، وكلُّ ذلك قد لا يأمن منه من شرب قائمًا.

قوله: (شرب النبيّ قائمًا من زمزم) في روايةٍ لابن ماجه (٦) من وجه آخر عن عاصم، فذكرت ذلك لعكرمة فحلف إنَّه ما كان حينئذ إلا راكبًا.

وعند أبي داود (٧) من وجه آخر عن ابن عباس: "أن النبيّ طاف على بعيره ثم أناخه بعد طوافه فصلى ركعتين"، فلعلَّه حينئذٍ شرب من زمزم قبل أن يعود إلى بعيره ويخرج إلى الصفا، بل هذا هو الذي يتعين المصير إليه؛ لأنَّ عمدة عكرمة في إنكاره كونه شرب قائمًّا إنما هو ما ثبت أن النبيّ طاف على بعيره، وخرج إلى الصفا على بعيره، وسعى كذلك.


= و"مفردات القرآن" للراغب (ص ٦٩٠).
(١) انظر: شرح معاني الآثار (٤/ ٢٧٢ - ٢٧٦).
(٢) في "معالم السنن" (٤/ ١٠٨).
(٣) في شرحه لصحيح البخاري (٦/ ٧٢).
(٤) في "الفتح" (١٠/ ٨٤).
(٥) حكاه عنه ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (٦/ ٧٢).
(٦) في سننه رقم (٣٤٢٢).
وهو حديث صحيح.
(٧) في سننه رقم (١٨٨١).
وهو حديث ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>