للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد أخرج الحاكم (١) من حديث عائشة بسند قويٍّ بلفظ: "نهى أن يشرب من في السقاء لأن ذلك ينتنه".

وهذا يقتضي أن يكون النهي خاصًّا بمن يشرب فيتنفس داخل السقاء أو باشر بفمه باطن السقاء.

أما من صبّ من الفم إلى داخل فمه من غير مماسةٍ فلا.

ومن جملة ما علل به النهي: أن الذي يشرب من فم السقاء قد يغلبه الماء فينصبّ منه أكثر من حاجته، فلا يأمن أن يشرق به أو [يبلّ] (٢) ثيابه.

قال ابن العربي (٣): واحدة من هذه العلل تكفي في ثبوت الكراهة وبمجموعها تقوى الكراهة جدًّا.

قال ابن أبي جمرة (٤): الذي يقتضيه الفقه أنه لا يبعد أن يكون النهي لمجموع هذه الأمور وفيها ما يقتضي الكراهة، وفيها ما يقتضي التحريم، والعادة في مثل ذلك ترجيح ما يقتضي التحريم.

وقد جزم ابن حزم (٥) بالتحريم لثبوت النهي، وحمل أحاديث الرخصة على أصل الإباحة.

وأطلق أبو بكر الأثرم صاحب أحمد أن أحاديث النهي ناسخة للإباحة لأنهم كانوا أولًا يفعلون ذلك حتى وقع دخول الحية في بطن الذي شرب من فم السقاء فنسخ الجواز.

قال العراقي (٦): لو فرق بين ما يكون لعذرٍ، كأن تكون القربة معلقةً ولم يجد المحتاج إلى الشرب إناء، ولم يتمكن من التناول بكفه، فلا كراهة حينئذٍ، وعلى هذا تحمل الأحاديث المذكورة، وبين ما يكون لغير عذر فتحمل عليه أحاديث النهي.


(١) في المستدرك (٤/ ١٤٠) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(٢) في المخطوط (ب): (يبلل).
(٣) في عارضة الأحوذي (٨/ ٨٢).
(٤) كما في "الفتح" (١٠/ ٩١).
(٥) في المحلى (٧/ ٥٢٠).
(٦) كما في "الفتح" (١٠/ ٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>