للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومنه ﴿وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ (١): أي: صرعه، فألقى عنقه وجعل جبينه إلى الأرض، والتفسير الأوّل أليق بمعنى حديث الباب.

وقد أنكر بعضهم (٢) تقييد الخطابي الوضع بالعنف.

وظاهر هذا: إن تقديم الذي على اليمين ليس لمعنى فيه بل لمعنى من جهة اليمين وهو فضلها على جهة اليسار.

فيؤخذ منه أن ذلك ليس ترجيحًا لمن هو على اليمين بل هو ترجيح لجهة اليمين.

وقد يعارض حديث أنس وسهل المذكورين حديث سهل بن أبي حثمة الذي تقدم في القسامة (٣) بلفظ: "كَبِّرْ كَبِّرْ"، وكذلك حديث ابن عباس الذي أخرجه أبو يعلى (٤) بسند قويّ قال: "كان رسول الله إذا سقى قال: "ابدءوا بالأكبر"".

ويجمع: بأنه محمول على الحالة التي يجلسون فيها متساوين إما بين يدي الكبير، أو عن يساره كلهم، أو خلفه.

قال ابن المنير (٥): يؤخذ من هذا الحديث أنها إذا تعارضت فضيلة الفاضل وفضيلة الوظيفة اعتبرت فضيلة الوظيفة.

قوله: (ساقي القوم آخرهم شربًا) فيه دليل: على أنَّه يشرع لمن تولى سقاية قوم أن يتأخر في الشرب حتى يفرغوا عن آخرهم.

وفيه إشارة إلى أن كل من ولي من أمور المسلمين شيئًا يجب عليه تقديم إصلاحهم على ما يخصّ نفسه، وأن يكون غرضُه إصلاحَ حالهم وجرّ المنفعة إليهم ودفعَ المضار عنهم، والنظرَ لهم في دقِّ أمورهم وجلِّها، وتقديمَ مصلحتهم على مصلحته.

وكذا من يفرّق على القوم فاكهةً، فيبدأ بسقي كبير القوم، أو بمن عن يمينه إلى آخرهم، وما بقي شربه، ولا معارضة بين هذا الحديث وحديث: "ابدأ بنفسك" (٦) لأن ذاك عامّ، وهذا خاصٌّ، فيبنى العامُّ على الخاصِّ.


(١) سورة الصافات، الآية: (١٠٣).
(٢) كما في "الفتح" (١٠/ ٨٧).
(٣) تقدم برقم (٣٠٣٣) من كتابنا هذا.
(٤) في مسنده رقم (٢٤٢٥) بسند صحيح.
(٥) كما في الفتح (١٠/ ٨٧).
(٦) أخرجه مسلم رقم (٤١/ ٩٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>