للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من زعم من المتصوّفة أن قوله: "العين حقّ" يريد به القدر؛ أي: العين التي تجري منها الأحكام، فإنَّ عين الشيء حقيقته؛ والمعنى: أن الذي يصيب من الضرر بالعادة عند نظر الناظر إنما هو بقدر الله السابق، لا شيء يحدثه الناظر في المنظور.

ووجه الردّ: أنَّ الحديث ظاهر في المغايرة بين القدر وبين العين، وإن كنا نعتقد: أن العين من جملة المقدور؛ لكن ظاهره إثبات العين التي تصيب، إما بما جعل الله تعالى فيها من ذلك وأودعه إياها.

وإما بإجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر، وإنما جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين، لا أنه يمكن أن يردّ القدر، إذ القدر عبارة عن سابق علم الله، ولا رادّ لأمره، أشار إلى ذلك القرطبي (١).

وحاصله: لو فرض أنَّ شيئًا له قوّةٌ؛ بحيث يسبق القدر لكان العين، لكنها لا تسبق فكيف غيرها؟ وقد أخرج البزار (٢) من حديث جابر بسند حسن عن النبي قال: "أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالأنفس"، قال الراوي: يعني بالعين.

قوله: (العين حقّ) أي: شيء ثابت، موجود من جملة ما تحقق كونه.

قوله: (وإذا استغسلتم فاغسلوا) أي: إذا طُلبتم للاغتسال فاغسلوا أطرافكم عند طلب المعيون ذلك من العائن، وهذا كان أمرًا معلومًا عندهم، فأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم، وأدنى ما في ذلك رافع الوهم، وظاهر الأمر الوجوب.

وحكى المازريُّ فيه خلافًا، وصحح الوجوب وقال: متى خشي الهلاك وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء فيه فإنه يتعين، وقد تقرّر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطّر وهذا أولى، ولم يبين في حديث ابن عباس صفة الاغتسال.


(١) في "المفهم" (٥/ ٥٦٥ - ٥٦٦).
(٢) في المسند (رقم ٣٠٥٢ - كشف).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٥/ ١٠٦) وقال: "رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، خلا طالب بن حبيب بن عمرو، وهو ثقة".

<<  <  ج: ص:  >  >>