للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فمن لبس من الأغنياء ثياب الفقراء صار مماثلًا لهم في إيهام الناظر له أنه منهم.

وذلك ربما كان من كفران نعمة الله عليه، وليس الزهد والتواضع في لزوم ثياب الفقر والمسكنة، لأن الله سبحانه أحلَّ لعباده الطيبات، ولم يخلق لهم جيد الثياب إلا لتلبس ما لم يرد النصّ على تحريمه.

ومن فوائد إظهار أثر الغنى أن يعرفه ذوو الحاجات فيقصدونه لقضاء حوائجهم.

وقد أخرج الترمذي (١) حديث: "إنَّ الله يحبّ أن يرى أثر نعمته بالخير على عبده"، وقال: حسن.

فدلّ هذا على أن إظهار النعمة من محبوبات المنعم، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ (٢)، فإنَّ الأمر منه إذا لم يكن للوجوب كان للندب، وكلا القِسْمَين مما يحبه الله.

فمن أنعم الله عليه بنعمة من نعمه الظاهرة أو الباطنة فليبالغ في إظهارها بكل ممكن ما لم يصحب ذلك الإِظهار رياءٌ، أو عجب، أو مكاثرة للغير، وليس من الزهد والتواضع أن يكون الرجل وسخ الثياب شعث الشعر.

فقد أخرج أبو داود (٣) والنسائي (٤) عن جابر بن عبد الله قال: "أتانا رسول الله فرأى رجلًا شعثًا قد تفرّق شعره، فقال: "أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره"، ورأى رجلًا آخر عليه ثياب وسخة، فقال: "أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه"".

والحاصل: أن الله جميل يحب الجمال، فمن زعم أن رضاه في لبس الخلقان والمرقعات وما أفرط في الغلظ من الثياب، فقد خالف ما أرشد إليه الكتاب والسنة.


(١) في سننه رقم (٢٨١٩) وقال: هذا حديث حسن.
وهو حديث حسن، والله أعلم.
(٢) سورة الضحى، الآية: (١١).
(٣) في سننه رقم (٤٠٦٢).
(٤) في سننه رقم (٥٢٣٦).
وهو حديث صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>