للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما المستحبُّ من جميع العبادات المالية والبدنية فينقلب بالنذر واجبًا، ويتقيد بما قيد به الناذر.

والخبر صريح في الأمر بالوفاء بالنذر إذا كان في طاعة، وفي النهي عن الوفاء به إذا كانت في معصية.

وهل تجب في الثاني كفارة يمين أو لا؟ فيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى.

قوله: (إنه لا يرد شيئًا) فيه إشارةٌ إلى تعليل النهي عن النذر.

وقد اختلف العلماء في هذا النهي؛ فمنهم من حمله على ظاهره، ومنهم من تأوَّله.

قال ابن الأثير في النهاية (١): تكرّر النهي عن النذر في الحديث، وهو تأكيد لأمره، وتحذير عن التهاون به بعد إيجابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك إبطال حكمه، وإسقاط لزوم الوفاء به، إذ يصير بالنهي معصيةً فلا يلزم، وإنما وجه الحديث: أنه قد أعلمهم أن ذلك الأمر لا يجرّ إليهم في العاجل نفعًا ولا يصرف عنهم ضررًا ولا يغير قضاء، فقال: لا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئًا لم يقدّر الله لكم، أو تصرفون به عنكم ما قدَّره عليكم، فإذا نذرتم فاخرجوا بالوفاء، فإن الذي نذرتموه لازم لكم. انتهى.

وقال أبو عبيد (٢): النهي عن النذر والتشديد فيه؛ ليس هو أن يكون مأثمًا، ولو كان كذلك ما أمر الله تعالى أن يوفى به، ولا حَمد فاعله، ولكن وجهه عندي تعظيم شأن النذر وتغليظ أمره لئلا يستهان بشأنه فيفرّط في الوفاء به ويترك القيام به.

ثم استدلّ على الحثّ على الوفاء به من الكتاب والسنة، وإلى ذلك أشار المازري (٣) بقوله: ذهب بعض علمائنا: إلى أن الغرض بهذا الحديث التحفظ في النذر.


(١) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (٢/ ٧٢٨).
(٢) حكاه عنه الحافظ في "الفتح" (١١/ ٥٧٧).
(٣) في "المعلم" له (٢/ ٢٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>