للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والثاني: أن الذبح بالسكين فيه إراحة للمذبوح، وبغير السكين كالخنق وغيره يكون الألم فيه أكثر، فذكر ليكون أبلغ في التحذير.

قال الحافظ في التلخيص (١): ومن الناس من فتن بحبّ القضاء فأخرجه عما يتبادر إليه الفهم من سياقه فقال: إنما قال: ذبح بغير سكين إشارة إلى الرفق به، ولو ذبح بالسكين لكان أشقّ عليه ولا يخفى فساده. انتهى.

وحكى ابن رسلان في شرح السنن عن أبي العباس أحمد بن القاصِّ: أنَّه قال: ليس في هذا الحديث عندي كراهة القضاء وذمه؛ إذ الذبح بغير سكين مجاهدة [النفس] (٢) وترك [الهوى] (٣)، والله تعالى يقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (٤).

ويدلُّ على ذلك حديث أبي هريرة: أن رسول الله قال: "يا أبا هريرة عليك بطريق قومٍ إذا فزع الناس أمنوا"، قلت: من هم يا رسول الله؟ قال: "هم قوم تركوا الدنيا فلم يكن في قلوبهم ما يشغلهم عن الله، قد أجهدوا أبدانهم، وذبحوا أنفسهم في طلب رضا الله" (٥)، فناهيك به فضيلة وزلفى لمن قضى بالحقّ في عباده إذ جعله ذبيح الحقّ امتحانًا، لتعظم له المثوبة امتنانًا.

وقد ذكر الله قصة إبراهيم خليله ، وقوله: ﴿يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾ (٦)، فإذا جعل الله إبراهيم في تسليمه لذبح ولده مصدقًا فقد جعل ابنه لاستسلامه للذبح ذبيحًا، ولذا قال : "أنا ابن الذبيحين" (٧)؛ يعني: إسماعيل، وعبد الله.


(١) في "التلخيص الحبير" (٤/ ٣٣٩) تعليقًا على كلام الخطابي المتقدم.
(٢) في المخطوط (ب): (للنفس).
(٣) في المخطوط (ب): (للهوى).
(٤) سورة العنكبوت، الآية: (٦٩).
(٥) أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" كما في كنز العمال للمتقي الهندي رقم (٨٥٩٥).
(٦) سورة الصافات، الآية: (١٠٢).
(٧) قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (١٢/ ٣٧٨): "رويناه في "الخلعيات" من حديث معاوية.
ونقله عبد الله بن أحمد عن أبيه، وابن أبي حاتم عن أبيه.
وأطنب ابن القيم في "الهدي" في الاستدلال لتقويته … ". اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>