للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم الله إن كان محقًا وذلك لا يحلُّ لأن المدفوع في مقابلة أمر واجب أوجب الله على الحاكم الصدع به، فكيف لا يفعل حتى يأخذ عليه شيئًا من الحطام؛ وإن كان الدفع للمال من صاحبه لينال به خلاف ما شرعه الله إن كان مبطلًا فذلك أقبح، لأنه مدفوع في مقابلة أمر محظور فهو أشدُّ تحريمًا من المال المدفوع للبغيِّ في مقابلة الزنا بها، لأن الرشوة يتوصل بها إلى أكل مال الغير الموجب لإحراج صدره، والإضرار به، بخلاف المدفوع إلى البغيِّ، فالتوصل به إلى شيء محرّم وهو الزنا لكنه مستلذّ للفاعل والمفعول به، وهو أيضًا ذنب بين العبد وربه، وهو أسمح الغرماء ليس بين العاصي [وبين] (١) المغفرة إلا التوبة، ما بينه وبين الله وبين الأمرين بون بعيد.

ومن الأدلة الدالة على تحريم الرشوة ما حكاه ابن رسلان في شرح السنن عن الحسن (٢)، وسعيد بن جبير (٣)، أنهما فسرا قوله تعالى: ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ (٤) بالرشوة.

وحكي عن مسروق عن ابن مسعود (٥) أنه لما سئل عن السحت: أهو الرشوة؟ فقال: لا ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ .... ﴾ ﴿الظَّالِمُونَ … ﴾ ﴿الْفَاسِقُونَ﴾ (٦)، ولكن السحت أن يستعينك الرجل على مظلمته، فيهدي لك، فإن أهدى لك فلا تقبل.

وقال أبو وائل - شقيق بن سلمة، أحد أئمة التابعين -: القاضي إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت، وإذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر.

رواه ابن أبي شيبة (٧) بإسناد صحيح. اهـ. ما حكاه ابن رسلان.


(١) ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(٢) أخرجه الطبري في "جامع البيان" (٨/ ٤٢٨ - ٤٢٩ - عالم الكتب).
(٣) أخرجه الطبري في "جامع البيان" (٨/ ٤٢٩ - عالم الكتب).
(٤) سورة المائدة، الآية: (٤٢).
(٥) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (٨/ ٤٣٠) من طريق مسروق.
وأخرجه وكيع في "أخبار القضاة" (١/ ٥٢) والبيهقي (١٠/ ١٣٩) من طريق شعبة بنحوه.
وانظر: تفسير ابن كثير (٥/ ٢٢٦).
(٦) سورة المائدة، الآية: (٤٤ - ٤٧).
(٧) في المصنف (٦/ ٥٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>