للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي الحديث دليل: على إثم من خاصم في باطل، حتى استحقّ به في الظاهر شيئًا هو في الباطن حرام عليه.

وأن من احتال لأمر باطل بوجه من وجوه الحيل، حتى يصير حقًّا في الظاهر، ويحكم له به: أنه لا يحلّ له تناوله في الباطن، ولا يرتفع عنه الإثم بالحكم.

وفيه: أن المجتهد إذا أخطأ لا يلحقه إثم، بل يؤجر كما في الحديث الصحيح (١): "وإن اجتهد فأخطأ فله أجر".

وفيه أنه كان يقضي بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه شيء، وخالف في ذلك قوم.

وهذا الحديث من أصرح ما يحتجّ به عليهم.

وفيه أنه ربما أداه اجتهاده إلى أمر فيحكم به، ويكون في الباطن بخلاف ذلك.

قال الحافظ (٢): لكن مثل ذلك لو وقع لم يقرَّ عليه لثبوت عصمته.

واحتجّ من منع مطلقًا، بأنه لو جاز وقوع الخطأ في حكمه؛ للزم أمر المكلفين بالخطأ، لثبوت الأمر باتباعه في جميع أحكامه حتى قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ الآية (٣)، وبأنَّ الإجماع معصوم من الخطأ، فالرسول أولى بذلك.

وأجيب عن الأول: بأن الأمر إذا استلزم الخطأ لا محذورَ فيه، لأنه موجود في حقِّ المقلدين، فإنهم مأمورون باتباع المفتي والحاكم ولو جاز عليه الخطأ.

وأجيب عن الثاني بردّ الملازمة، فإنَّ الإجماع إذا فرض وجوده دلَّ على أن مستندهم ما جاء عن الرسول [] (٤)، فرجع الاتباع إلى الرسول لا إلى نفس الإجماع.


(١) أحمد في المسند (٢/ ١٨٧) والبخاري رقم (٧٣٥٢) ومسلم رقم (١٥/ ١٧١٦).
وهو حديث صحيح.
(٢) في الفتح (١٣/ ١٧٤).
(٣) سورة النساء، الآية: (٦٥).
(٤) ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>