للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحدهما على الآخر بالتشهي بل بالقرعة. وهو المراد بقوله: "فليستهما" أي: فليقترعا، وقيل: صورة الاشتراك في اليمين أن يتنازع اثنان عينًا ليست في يد أحدهما، ولا بينةَ لواحدٍ منهما فيقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة حلف واستحقها، ويدلُّ على ذلك الرواية الثانية من حديث أبي هريرة.

ويحتمل أن تكون قصة أخرى، فيكون القوم المذكورون مدعى عليهم بعين في أيديهم مثلًا وأنكروا، ولا بيّنة للمدعى عليهم، فتوجهت عليهم اليمين فسارعوا إلى الحلف، والحلف لا يقع معتبرًا إلا بتلقين المحلِّف، فقطع النزاع بينهم بالقرعة، فمن خرجت له بدئ به.

وقال البيهقي (١) في بيان معنى الحديث: إنَّ القرعة في أيهما تقدَّم عند إرادة تحليف القاضي لهما، وذلك أنَّه يحلف واحدًا ثم يحلف الآخر، فإن لم يحلف الثاني بعد حلف الأول قضى بالعين كلها للحالف أولًا، وإن حلف الثاني فقد استويا في اليمين، فتكون العين بينهما كما كانت قبل أن يحلفا، وهذا يشهد له الرواية الثالثة في حديث أبي هريرة المذكورة في الباب.

وقد حمل ابن الأثير في "جامع الأصول" (٢) الحديث على الاقتراع في المقسوم بعد القسمة، وهو بعيد.

ويردُّه الرواية الثالثة، فإنها بلفظ: "فليستهما عليها" أي: على اليمين.

قوله: (فليستهما عليها) وجه القرعة أنَّه إذا تساوى الخصمان؛ فترجيح أحدهما بدون مرجح لا يسوغ، فلم يبق إلا المصير إلى ما فيه التسوية بين الخصمين، وهو القرعة، وهذا نوع من التسوية المأمور بها بين الخصوم.

وقد طَوَّل أئمة الفقه الكلام على قسمة الشيء المتنازع فيه بين متنازعيه إذا كان في يد كلِّ واحدٍ منهم، أو في يد غيرهم مقرٌّ به لهم.

وأما إذا كان في يد أحدهما؛ فالقول قوله، واليمين عليه، والبيّنة على خصمه.


(١) في السنن الكبرى (١٠/ ٢٥٨).
(٢) في جامع الأصول (١٠/ ١٨٨ - ١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>