للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكذلك وجوب الرمي مع زوال ما شرع له، وهو ظهور الشيطان بذلك المكان (١)، وكم لهذا من نظائر لو تتبعت لجاءت في رسالة مستقلة.

قال في الفتح (٢): وأجيب عن حديث عائشة بأنه ليس في نفي الوجوب، وبأنه سابق على الأمر به، والإِعلام بوجوبه به، وبهذا يتبين لك عدم انتهاض ما جاء به الجمهور من الأدلة على عدم الوجوب، وعدم إمكان الجمع بينها وبين أحاديث الوجوب، لأنه وإن أمكن بالنسبة إلى الأوامر لم يكن بالنسبة إلى لفظ واجب وحق إلا بتعسف لا يلجئ طلب الجمع إلى مثله، ولا يشك من له أدنى إلمام بهذا الشأن أن أحاديث الوجوب أرجح من الأحاديث القاضية بعدمه، لأن أوضحها دلالة على ذلك حديث سمرة (٣)، وهو غير سالم من مقال وسنبينه.

وأما بقية الأحاديث فليس فيها إلا مجرد استنباطات واهية، وقد دل حديث الباب أيضًا على تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة، والمراد إرادة المجيء وقصد الشروع فيه، وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال:

اشتراط الاتصال بين الغسل والرواح، وإليه ذهب مالك (٤).

والثاني: عدم الاشتراط لكن لا يجزي فعله بعد صلاة الجمعة، ويستحب تأخيره إلى الذهاب، وإليه ذهب الجمهور (٥).

والثالث: أنه لا يشترط تقديم الغسل على صلاة الجمعة بل لو اغتسل قبل الغروب أجزأ عنه، وإليه ذهب داود، ونصره ابن حزم (٦)، واستبعده ابن دقيق العيد (٧)، وقال: يكاد يجزم ببطلانه، وادعى ابن عبد البر الإِجماع على أن من


(١) يشير المؤلف رحمه إلى الحديث الذي أخرجه أحمد والطبراني في "الكبير" ورجاله ثقات كما في "مجمع الزوائد" (٣/ ٢٥٩).
(٢) (٢/ ٣٦٣).
(٣) وهو حديث حسن بمجموع طرقه. سيأتي تخريجه رقم (٥/ ٣١٣) من كتابنا هذا.
(٤) بُلغة السالك لأقرب المسالك على "الشرح الصغير لأحمد الدردير" (١/ ٣٣١).
(٥) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" (١/ ١٥٨ - ١٦٠).
و"الإفصاح عن معاني الصحاح في مذاهب الأئمة الأربعة" (٢/ ١١٥ - ١١٦).
(٦) انظر: "المحلى" (٢/ ٢٢).
(٧) في "إحكام الأحكام" (٢/ ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>