أوّل الناس وهذا أوّل بيت وضع للناس، لكن قال ابن كثير: أنه من مفردات ابن لهيعة وهو ضعيف، والأشبه أن يكون موقوفًا على عبد الله.
ثم بناء بني آدم من بعده بالطين والحجرة فلم يزل معمورًا يعمرونه هم ومن بعدهم حتى كان زمن نوح فنسفه الغرق وغير مكانه حتى بوّئ لإبراهيم ﵊ فبناه كما هو ثابت بنص القرآن، وجزم الحافظ، بن كثير بأنه أوّل من بناه وقال: لم يجيء خبر عن معصوم أنه كان مبنيًّا قبل الخليل وقد كان المبلغ له ببنائه عن الملك الجليل جبريل فمن ثم قيل: ليس ثم في هذا العالم بناء أشرف من الكعبة لأن الآمر ببنائها الملك الجليل والمبلغ والمهندس جبريل، والباني الخليل، والتلميذ إسماعيل.
ثم بناء العمالقة، ثم جرهم رواه الفاكهي بسنده عن عليّ وذكر المسعودي أن الذي بناه من جرهم هو الحرث بن مضاض الأصغر، ثم بناء قصي بن كلاب كما ذكر الزبير بن بكار، ثم بناء قريش وحضره النبي ﷺ وجعلوا ارتفاعها ثمانية عشر ذراعًا، وقيل عشرين ونقصوا من طولها ومن عرضها لضيق النفقة بهم، ثم بناء عبد الله بن الزبير وسببه توهين الكعبة من حجارة المنجنيق التي أصابتها حين حوصر ابن الزبير بمكة في أوائل سنة أربع وستين من الهجرة لمعاندة يزيد بن معاوية فهدمها حتى بلغت الأرض يوم السبت منتصف جمادى الآخرة سنة أربع وستين، وبناها على قواعد
إبراهيم وأدخل فيها ما أخرجته منها قريش في الحجر فجعل لها بابين لاصقين بالأرض أحدهما بابها الموجود الآن والآخر المقابل له المسدود، وجعل فيها ثلاث دعائم في صف واحد وفرغ منها في سنة خمس وستين كما ذكره المسبحي العاشر بناء الحجاج، وكان بناؤه للجدار الذي من جهة الحجر بسكون الجيم والباب الغربي المسدود عند الركن اليماني وما تحت الباب الشرقي وهو أربعة أذرع وشبر على ما ذكره الأزرقي، وترك بقية الكعبة على بناء ابن الزبير، واستمر بناء الحجاج إلى الآن وقد أراد الرشيد أو أبوه أو جدّه أن يعيده على ما فعله ابن الزبير فناشده مالك في ذلك وقال: أخشى أن يصير ملعبة للملوك فتركه، ولم يتفق لأحد من الخلفاء ولا غيرهم تغيير شيء مما صنعه الحجاج إلى الآن إلا في الميزاب والباب وعتبته، وكذا وقع الترميم في الجدار الذي بناه الحجاج غير مرة وفي السقف وفي سلم السطح وجدّد فيها الرخام، وأوّل من فرشها بالرخام الوليد بن عبد الملك فيما قاله ابن جريج وهذا الحديث مرسل لأن جابرًا لم يدرك بناء قريش، لكن يحتمل أن يكون سمع ذلك من النبي ﷺ أو ممن حضره من الصحابة. وقد روى الطبراني وأبو نعيم في الدلائل من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير قال: سألت جابرًا هل يقوم الرجل عريانًا فقال: أخبرني النبي ﷺ أنه لما انهدمت الكعبة الحديث. لكن ابن لهيعة ضعيف، وقد تابعه عبد العزيز بن سليمان عن أبي الزبير ذكره أبو نعيم فإن كان محفوظًا وإلا فقد حضره من الصحابة العباس فلعل جابرًا حمله عنه قاله في الفتح وجواب لما قوله:
(ذهب النبي ﷺ وعباس) عمه (ينقلان الحجارة) على أعناقهما (فقال العباس للنبي ﷺ اجعل إزارك على رقبتك) أي لتقوى به على حمل الحجارة ففعل ﵊ ذلك (فخر) أي وقع (إلى الأرض وطمحت) بالواو والطاء المهملة والميم والحاء المهملة المفتوحات ولأبي ذر: فطمحت بالفاء (عيناه) أي شخصتا وارتفعتا (إلى السماء) والمعنى أنه صار ينظر إلى فوق. قال ابن المنير: فيه دليل على أن النبي ﷺ كان متعبدًا قبل البعثة بالفروع التي بقيت محفوظة كستر العورة، لأن سقوطه إلى الأرض عند سقوط الإزار خشية من عدم الستر في تلك اللحظة اهـ.
وهذا يردّه ما في الدلائل للبيهقي عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس عن أبيه قال: لما بنت قريش انفردت رجلين رجلين ينقلون الحجارة فكنت أنا وابن أخي فجعلنا نأخذ أزرنا فنضعها على مناكبنا ونجعل عليها الحجارة فإذا دنونا من الناس لبسنا أزرنا، فبينما هو أمامي إذ صرع فسعيت وهو شاخ ببصره إلى السماء